السبت، 2 يناير 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (47)

بقلم : فخرى كرم

 

«بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء» (مت6: 20)

يستطرد الرب فيقدم لنا السبب الثاني الذي يحفظنا من الوقوع تحت سلطان المال والميل لاكتنازه:

(2) أفضلية أن نكنز كنوزاً في السماء

عندما يسمح الله في نعمته أن يعطينا أموالاً أكثر من احتياجنا فهو لا يقصد أن نكتنزها بل أن نستخدمها لصناعة كنوز في السماء!! الهدف من المال هو تسديد الاحتياجات، وإذا فاض المال عن احتياجاتنا لابد أن نستخدمه عندئذ في تسديد احتياجات الأخرين، بهذا نصير شركاء الله وأدواته لنشر الخير والرحمة وسط شعبه، وبهذا نصنع لأنفسنا كنوزاً وأكاليلاً في السماء، كنوز أبدية لا تتعرض للفساد أو السرقة، كنوز من رضا الله وخير الإنسان!! هذا الحق واضح في أكثر من موضع من كلمة الله:

الشاب الغني (مر10: 17-22): عندما أتى هذا الشاب ليسأل يسوع عن ما يفعله لكي يرث الحياة الأبدية أجابه يسوع «اذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء» هذا الشاب كان يملك أموالاً تزيد عن احتياجه وأراد أن يكتنزها ليصنع لنفسه قيمة لكن الرب أعلن له أن الطريق الأمثل للتعامل مع المال الفائض هو أن نسدد به احتياجات الأخرين ثم نجد قيمتنا الحقيقية في اتباعنا ليسوع حاملين الصليب!! عندما يزداد المال في أيدينا نتعرض لتجربة قاسية وهي أن نعتقد أننا «نمتلك» هذا المال وأن من حقنا وحدنا أن نتصرف فيه، بينما الكتاب يعلمنا أن الله هو الذي يعطينا القوة لاصطناع الثروة (تث 8: 18) إن كان أحد يظن أنه بقوته صنع ثروته فالحقيقة أن الله هو الذي أعطاه هذه القوة، أي أن الله له الحق الأكبر في الأموال التي بين أيدينا، وأننا في الحقيقة «وكلاء» على هذه الأموال أكثر من كوننا «ممتلكين» لها!!

وإذا سقط الإنسان في هذه التجربة واعتقد أنه «يمتلك» الأموال التي بين يديه وأن من حقه أن يكتنزها ويعيش أيامه يحرسها في مخابئها، وأغلق أحشاءه عن قريبه المحتاج وقبض يديه عن الإحسان للفقير، تكون الحقيقة أن المال هو الذي امتلك الإنسان واستعبده وأفقده البصيرة التي ترى حق الله في الثروة، بل أفقده الفرصة لأن يكون وكيلاً أميناً لله وأن يصنع لنفسه كنوزاً في السماء!! وللأسف هذا ما حدث مع الشاب الغني الذي «أحبه» يسوع وقدم له دعوة ثمينة ليكون من تابعيه وحاملي الصليب، لكن سلطان المال كان قد تمكن منه ودفعه ليبتعد عن يسوع ويمضي حزيناً في طريق الخسران الأبدي!!

الكنيسة الأولى (أع4: 34، 35): لئلا يظن أحد أننا نفسر كلمات المسيح للشاب الغني بالخطأ أو نبالغ في فهمها دعونا نرى ما فعله الروح القدس عندما انسكب على الكنيسة الأولى، لقد دفع المؤمنين الأغنياء لفعل ما قاله يسوع للشاب حرفياً!! كانوا يبيعون حقولاً وبيوتاً ويأتون بأثمانها عند أرجل الرسل ليوزعوا على كل واحد كما يكون له احتياج، هؤلاء الأخوة الأفاضل وجدوا قيمتهم الحقيقية في اتباعهم ليسوع وتتميم مشيئته على الأرض فانكسر سلطان المال عنهم، رأوا أنفسهم وكلاء على هذه الأموال فقدموا بسخاء لتسديد احتياج الاخوة الفقراء، فصنعوا لأنفسهم أمجاداً في أرض الخدمة وكنوزاً في مساكنهم الأبدية!!

 إذاً يسوع يريدنا ألا نكتنز المال ليس فقط لأنه غير يقيني بل أيضاً لأننا ينبغي أن نستثمره في صناعة خير على الأرض وكنوز في السماء، ليت الرب يمنحنا بصيرة ترى أن كل قرش نختزنه ونمنعه عن فم جائع أو يد محتاج هو خسارة وليس ربح، سبب حزن وليس مصدر فرح!! وللحديث بقية (يتبع)