الاثنين، 18 ديسمبر 2023

أحاديث من القلب

 

 

سبعة أرواح الله (58)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن الروح المعزى يشفع فينا في عدة اتجاهات، في اتجاه علاقتنا بالله هو يشفع فينا بأنات لا ينطق بها لكي يجعلنا نصلي بحسب مشيئة الله، وفي اتجاه حربنا مع إبليس هو يعلمنا كل الحق الذي به نفضح كل أكاذيب العدو، واليوم نضيف أن الروح يعيننا في اتجاه ثالث ألا وهو

الخدمه

قال رب المجد «ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب.. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم» (مت 10 : 16 ـ 20) إن الروح الذي يصلي فينا أمام الله هو نفسه يتكلم فينا أمام الناس!!

لقد أرسل الرب تلاميذه برسالة الحياة إلى العالم أجمع، وكان عدم التكافؤ ظاهراً بين التلاميذ وبين الإرسالية المنوطة بهم، فمعظمهم كان عامياً محدود المعرفة لم يخرج تقريباً من قرى الجليل الفقيرة إلا إلى أورشليم في المواسم والأعياد ، كيف يستطيع هؤلاء البسطاء أن يكرزوا للعالم أجمع ويقفوا أمام مجامع وملوك ويحاجوا علماء الشريعة وأصحاب أفكار ومبادىء؟! إن القصور الذهني كان يمثل عائقاً كبيراً في سبيل إتمام هذه الإرسالية.

الروح يشفع في القصور الذهني

في يوم الخمسين وما تلاه نرى صورة رائعة لشفاعة الروح في القصور الذهني للتلاميذ، ونراه ينطق على أفواههم بكلمات المنطق والحجة التي كانت دائما تفحم سامعيهم وتؤثر فيهم وتخرس ألسنتهم !!

عندما ننظر إلى بطرس وهو يقف ليتكلم أمام الآلاف بكل سلطان وقوة نندهش بشدة إذ نراه يقتبس من النبوات القديمة، وتزداد دهشتنا عندما نراه يفسر النبوات ويطبقها على الأحداث الجارية كأنه خبير في دراسة النبوات و تفسيرها رغم كونه عامياً لم نسمعه يناقش الرب مرة في نبوة أو تفسير !!

والعجيب أن نوعية سامعيه كانت على النقيض منه، فمعظمهم كانوا يهودا أتقياء من كل أمة تحت السماء، ومن يتكبد مشقة السفر من أمة بعيدة لكي يسجد في أورشليم لابد أنه من الطبقة الراقية الغنية المتعلمة، الذين لا يقبلون بسهولة أي فكر ولا يخضعون بسذاجة لأي منطق.

ومع ذلك نجد كلمات بطرس حركت قلوبهم ونخستها، وأقنعت أذهانهم بأسلوب لا يقبل المجادلة، كيف حدث هذا ؟! إنها بلا شك شفاعة الروح القدس ومعونته، فبطرس ليس هو المتكلم ولا المفكر ولا المفسر بل بالحرى روح أبيه الذي فيه.

... والقصور الروحي !!

 قد يكون هناك أشخاص أذكياء بالطبيعة ومتعلمون وأصحاب فكر ومنطق، ولا تعوزهم القدرة على مقارعة الحجة بالحجة واقناع سامعيهم، أمثال بولس وأبولس واستفانوس.. هل هؤلاء ليسوا في حاجة لشفاعة الروح هذه ؟ حاشا، فالقصور الإنساني عن أداء خدمة إلهنا ليس فقط قصوراً ذهنياً بل هناك أيضا قصور روحي .

إننا روحيا لا نستطيع أن نستوعب كل أرواح الناس الذين نخدمهم، ولا يوجد خادم - مهما كان ذكياً . يستطيع أن يدرك أعماق واحتياجات الشعب الذي يخدمه بشكل كامل ودائم، إننا نتعامل مع الظاهر أما الأعماق فتخفي أشياء كثيرة، كيف إذا نستطيع أن نقدم لهم الحق ومن أي جانب ؟ كيف يمكن أن تكون كلماتنا كتفاح من ذهب في مصوغ من فضة؟ كيف تصل الكلمة المناسبة إلى المكان المناسب في الوقت المناسب؟ الإجابة تكمن في شفاعة الروح وحدها ، لأن الروح يعرف احتياجات الناس الحقيقية ويكشف أعماقهم المستورة ويستطيع أن يرسل إلى تلك الأعماق الكلمة المناسبة، حتى أذكى الخدام وأكثرهم فصاحة يحتاج أن يتكل على معونة الروح داخله ليعرف ماذا يقول وماذا يتكلم.

وقف بولس مرة أمام فيلكس الوالي لكي يحاج عن تهم نسبها إليه اليهود ولكننا نندهش إذ نجده يتكلم عن البر والتعفف والدينونة (أع 24 : 25)، ما علاقة البر والتعفف والدينونة بموضوع المحاكمة ؟! إنها بلا شك قيادة الروح القدس الذي يعرف الأعماق الحقيقية لفيلكس الوالي، لذلك لا غرابة أن نجد فيلكس يرتعب!! فالكلمات إذا خرجت من الأفواه فإنها تدغدغ الآذان، وإذا خرجت من الأذهان فقد تحرك الأفكار، أما إذا خرجت من الروح فإنها تزلزل الأعماق!! يتبع

 

 

 

أحاديث من القلب

 

 

سبعة أرواح الله (57)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن الروح يشفع فينا في عدة مجالات، وأول هذه المجالات هو الصلاة، حيث أننا في أحيان كثيرة لا نعرف ما نصلي لأجله كما ينبغي ونحتاج لشفاعة الروح فينا بأنات لا ينطق بها ، عندئذ يتخطى الروح قصورنا عن فهم مشيئة الله واضعاً فينا الصلاة المرضية أمام إلهنا، واليوم نضيف أن الروح يشفع أيضا فينا في مجال ثان ألا وهو:

الحرب الروحية

إننا لا نعاني القصور تجاه مشيئة الله فقط بل أيضا تجاه حربنا مع إبليس والعالم، إننا نواجه عدواً شرساً يمتلك قدراً كبيراً من الذكاء والقدرة، إذا تركنا لأنفسنا في مواجهة هذا العدو فإنه بلا شك يبتلعنا أحياء، إن مكايده وحبائله المنصوبة في طريقنا تكفى لاقتناص أفضل المؤمنين وأكثرهم روحانية إذا تخلت عنه معونة الروح وشفاعته.

لكن نشكر الله أن الروح المبارك يقف في ثغرة حياتنا ويعيننا لكي نفهم فكر عدونا ونفضح أساليبه وننتصر عليه، إن الروح يعطينا أن نفهم فكر الله لكي نصلي كما ينبغي ويعطينا أن نفهم فكر إبليس لكي نحارب كما ينبغي، وإذا كانت وسيلته لفهم مشيئة الله هي الأنات غير المنطوقة فإن وسيلته لفهم فكر إبليس هي

معرفة الحق

 في خطاب الرب الوداعي لتلاميذه وبعد أن تكلم معهم عن ذهابه إلى الآب وعن الضيق الذي سيكون لهم في العالم بسبب مقاومة رئيس هذا العالم لهم، نراه يقدم لهم الوسيلة التي ستعطيهم القدرة على مواجهة كل هذه الصعاب والانتصار عليها، اسمعه يقول « وأما المعزى الروح الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء... متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلي جميع الحق» (يو 14 : 26 ، 16 : 13).

اذاً الوسيلة التي يعيننا بها الروح لمواجهة إبليس هي أنه يعلمنا كل الحق، إن سلاح إبليس هو الكذب لأنه الكذاب وأبو الكذب (يو8 : 44 حسب الترجمة التفسيرية) والإنسان يصدق الكذب في حالة عدم معرفته للحقيقة، إذ لا يوجد إنسان واحد عاقل يصدق الكذب وهو يعلم أنه كذب، أي أن إبليس يجد فرصته للسيطرة على حياة الإنسان طالما كان هذا الإنسان لا يعرف الحق، كل منطقة فينا تجهل حق الله هي منطقة قابلة لتصديق كذب إبليس، وبالتالي هي منطقة قابلة للسقوط أمام هجوم العدو والوقوع في قبضته وأسره ، أما إذا استطاع الروح أن يعلمنا كل الحق فإنه يحصننا من أكاذيب العدو فنستطيع أن نفضح أفكاره ولا نخضع لها، لذلك يقول رب المجـــــد : « وتعرفون الحق والحق يحرركم» ( يو8 : 32). إن الحق هو القوة المحررة من كل قيود الكذب التي يقيد إبليس بها الإنسان، إن التحرر من سلطان العدو لا يحتاج إلي عنف وصراخ وانفعال بل بالحرى يحتاج إلى إنارة الحق بقوة الروح في أعماق أرواحنا المأسورة!!

ترس و مجن حقه

 من (مز 91 : 4) نتعلم أن حق الله هو الترس والمجن اللذان بهما نستطيع أن نطفىء جميع سهام العدو الملتهبة، وأيضا في (أف 6 : 14) نجد الرسول بولس يضع الحق كأول قطعة في سلاح الله الكامل، ويشبه الحق بالمنطقة التي تحيط بجسد الجندي وتمنحه الصلابة في مواجهة عدوه.

جميع الحق

يستخدم الرب تعبيرات مثل «كل شيء » و «جميع الحق» ليؤكد لنا أننا ينبغي أن نتعلم الحق كله وليس بعض أجزائه، فالحق كل لا يتجزء، إن أي جزء مهدوم في سور المدينة يجعل السور غير كاف لحماية المدينة، وأي جزء ناقص في سلاح الجندي يجعله غير كفء للمعركة، ولذلك يقول الرب «جميع الحق» وليس جميع «الحقائق»، فالحق كتلة واحدة لا يمكننا قبول بعض أجزائه وترك الأخرى، إنه كيان حي، إنه طبيعة الله نفسه، لذلك قال يسوع «أنا هو... الحق»!!

بين الحق والحقائق !!

ما أبعد الفرق بين «الحق» الذي يغرسه الروح القدس في أعماقنـا وبيــن «الحقائق » التي قد نتعلمها بأذهاننا، إن مجرد المعرفة الذهنية للحقائق الكتابية لا تكفي للانتصار في الحرب الروحية، إننا نحتاج إلي الحق الحي الذي يغرسه الروح القدس في داخل أرواحنا، فكم من أصحاب المعرفة الذهنية سقطوا في فخاخ العدو وكان سقوطهم عظيماً !! (يتبع).

 

 

 

 

الاثنين، 4 ديسمبر 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (56)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن لنا شفاعة مزدوجة: الرب يسوع هو شفيعنا أمام الآب لأجل غفران الخطايا ، والروح القدس هو شفيعنا في داخل أرواحنا لأجل أن نعيش حياة مقدسة أمام الله، وشفاعة الروح تلك تظهر في أكثر من مجال، وأول هذه المجالات هو

الصلاة

الصلاة هي وسيلة شركتنا مع الله، ولكي تكون صلاتنا مؤثرة ومستجابة ينبغي أن تكون متوافقة مع مشيئة الله وقصده في حياتنا، فإذا كانت الصلاة الخارجة من قلوبنا متوافقة مع القصد الموجود في قلب الله فإنها تكون صلاة فعالة تحرك قلوبنا كما تحرك قلب الله!!

لكن المشكلة أن معرفة مشيئة الله والصلاة في اتجاهها ليست دائمة أمراً سهلاً، توجد مشيئة عامة لله وهي معلنة في الكتاب المقدس، مثل كونه يحب العالم كله ويريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، هذه المشيئة من السهل معرفتها والصلاة في اتجاهها بأذهاننا لأنها معلنة في كلمات واضحة للذهن، لكن هناك مشيئة خاصة بكل فرد منا وبكل يوم من أيام حياتنا ، مشيئة تخص التفاصيل الدقيقة في حياتنا، هذه المشيئة الخاصة لا نستطيع بسهولة أن ندركها بأذهاننا لأنه ما أبعد أفكار الله عن أفكارنا وطرقه عن طرقنا ، هذه المشيئة لا نستطيع أن نجدها في كلمات واضحة لأذهاننا لكن ينبغي أن نتعرف عليها كل يوم من خلال أرواحنا، هذه المشيئة الخاصة هي ما قصدها الرسول بقوله «لأننا لا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطــق بهــا » (رو 8 : 26)

بسبب القصور الإنساني نحن لا نعرف المشيئة التي نصلي لأجلها ، وإذا عرفناها لا نستطيع أن نصلي لأجلها «كما ينبغي»، أي لا نستطيع أن نعطى الصلاة حقها من المواظبة واللجاجة حتى تستجاب، ضعفنا البشري يضع فجوة بيننا وبين مشيئة الله، من يشفع في ضعفنا هذا ؟ من يعين قصورنا ونقصنا حتى نعرف مشيئة الله ونصلي لأجلها كما ينبغي؟

إنه شخص الروح وحده ! لأنه الوحيد الذي يعرف مشيئة الله الخاصة لكل منا ، لأنه الوحيد الذي يفحص كل شيء حتى أعماق الله (1كو 2 : 10) وهو الوحيد القادر أن ينقل هذه المشيئة لأرواحنا لكي نصلي لأجلها كما ينبغي.

وسائل الشفاعة

لأن هذه المشيئة الخاصة غير معلنة لأذهاننا لذلك يجد الروح صعوبة في استخدام ألسنتنا للنطق بكلمات مفهومة تعبيراً عن هذه المشيئة، لذلك فهو يلجأ لوسائل أخرى للتعبير عن هذه المشيئة، يقول عنها الرسول هنا: «أنات لا ينطق بها»، أي لا يمكن التعبير عنها بكلمات مفهومة، في هذا الوقت يشعر المؤمن بتحرك الروح بداخله ورغبة جارفة لرفع صلاة أمام الله رغم عدم وجود مادة مفهومة في ذهنه، مما يدفعه للتعبير عن هذا التحرك بأنات مكتومة وأحيانا بدموع وربما صرخات!!

هذه هي شفاعة الروح في أرواحنا، إنه يصلي في داخل أرواحنا بالنيابة عنا !! إنه يرفع لأجلنا طلبات بحسب مشيئة الله التي لا يعرفها إلا شخصه وحده !! وكل هذا دون أن يدرك الذهن أي شيء!! وتستمر هذه الأنات حتى نشعر براحة في أرواحنا ونتيقن أن صلاتنا قد استجيبت!!

وإذا سألنا كيف يستجيب الرب لصلاتنا رغم أننا لم ننطق بأي كلمات مفهومة يجيبنا الرسول: « إن الذي يفحص القلوب يعرف ما هو اهتمام الروح» (رو 8 : 27). إن الله لا يستمع لكلمات أفواهنا فقط بل بالحرى يفحص قلوبنا ويعرف ما يقصده الروح بأناته المكتومة تلك!!

شفاعة الروح تلك واجبة الاستجابة!! لا يمكن أن يرفضها الله، لماذا ؟ لأنـــــه « بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين »، إن شفاعة الروح هي بحسب مشيئة الله لنا، هناك توافق تام بين ما يطلبه الروح وما يريده الله، لذلك فالصلاة التي تستجاب فورأ هي الصلاة التي نرفعها بشفاعة الروح القدس.

هناك أيضأ موهبة التكلم بألسنة التي قد يستخدمها الروح لكي يشفع فينا بكلمات غير مفهومة لأذهاننا لكنها مفهومة أمام الله، في هذا الوقت يكون المؤمن متحدثاً «بأسرار» (۱كو 14 : 2) أى بأمور غير معلنة لذهنه هو نفسه، لكن فيما بعد وبعد أن تستجاب شفاعة الروح وتبدأ تتحقق في أرض الواقع عندئذ يبدأ الذهن يدرك ما كان الروح يصلى به، ولا يعود بعد «أسراراً، بل «معلنات »!!

إذا .. لا تطفئوا الروح !!

إذا كانت شفاعة الروح بهذه الأهمية وبدونها لا نستطيع أن نصلي كما ينبغي، إذا دعونا نخضع لقيادة الروح ونفسح له المجال لكي يشفع فينا، ونتعلم كيف نصغي لأناته ونتجاوب معها. (يتبع). |