الثلاثاء، 2 أبريل 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (27)
بقلم : فخرى كرم

«ليتقدس اسمك» (مت6: 9)
«الاسم» هو واسطة التعريف بشخص أو شيء ما، وبمجرد ذكر «الاسم» ترتسم في أذهاننا مجموعة الصفات التي نعرفها عن صاحب هذا الاسم، واسماء الله هي مجموع صفاته التي أعلنها عن نفسه ويريدنا أن نعرفه بها، وأن يتقدس اسم الله يعني أن تُستعلن صفاته ببهاء وعظمة في حياتنا ومن خلالنا للأخرين.
عندما يطلب منا الرب أن نقول «ليتقدس اسمك» فهو يضعنا مباشرة أمام مسئوليتنا وهدف وجودنا في الحياة، لأن هدف الله الأول من خلق الانسان هو التعريف بصفاته أمام كل الخليقة. عندما خلق الله كل الخليقة أظهر فيها قدرته السرمدية ولاهوته ولكن عندما خلق الإنسان وضع فيه صورته ومثاله، أي أن صفات الله الشخصية لا تظهر في كل الخليقة بقدر ظهورها في الانسان!! اننا دون أن نشعر نتخيل صورة الله على شكل «انسان» فائق العظمة والقدرة، لماذا؟ لأن الله وضع صورته في «الانسان»!! لماذا نؤمن أن الله محب وصالح وعادل وطاهر... إلى آخر هذه الصفات الرائعة؟ ببساطة لأن هذه هي الصفات التي نراها في «الإنسان» إذا وصل إلى أعظم حدود كماله!! وإن كان الكتاب المقدس يعلمنا أن الله روح ولا يمكن التعبير عنه تعبيراً كاملاً من خلال صورة الانسان المحدودة والقاصرة ولكن يبقى «الانسان» هو المخلوق الوحيد القادر على التعريف بصفات الله!!
عندما سقط آدم في الخطية ابتعد عن صورته الأولى وأكتسب صفات رديئة من الحية القديمة التي استمع إليها وخضع لسلطانها، وبالتالي أصبحت صورة الله التي ينقلها للخليقة هي صورة ناقصة ومشوهة. ولذلك أتى ربنا إلى العالم في ملء الزمان لكي يحمل إلينا صورة الله غير المنظور، وكان هو الانسان الكامل الذي قدم للخليقة صورة صحيحة عن صفات الله، كان قدوساً بلا خطية ورفض الاستماع لإبليس والخضوع له فقدم لنا صورة كاملة لله بلا تشوه، حتى أنه قال لتلاميذه «من رآني فقد رأى الآب» (يو14: 9) كان هو من رسم جوهر الله أمام عيون خليقته ولذلك أحبته الخليقة كلها وخضعت له، فرأينا السمك يدخل الى الشباك الخاوية والأمواج تحمله على ظهرها والرياح تسكن خضوعاً لأمره!!
لقد جاء يسوع لكي «يُقدِّس» اسم الله في عيون البشر، أعماله وحياته وأقواله أعادت البريق واللمعان لكل صفات الله التي تشوهت في عيون الناس بسبب السلوكيات الرديئة لرجال الدين المنتسبين لله، رجال الدين الذين مزجوا بين كلام الله ومنطق الحية القديمة فقدموا للشعب صورة مشوهة عن إلههم، ولأن الشعب يستمد صورة الله من خلال الانسان المنتسب لله فكان لابد أن يتجسد الرب ويأتي في صورة انسان ويعيش وسط الناس ويتلامس مع حياتهم لكي يعيد لصورة الله مصداقيتها وروعتها.
الأغلبية من الخطاة والمنبوذين في المجتمع اليهودي كان الدافع وراء حياتهم الخاطئة هو تمردهم على صورة الله المشوهة التي يقدمها لهم الكتبة والفريسيين، ولكن لما جاء يسوع حاملاً الصورة الحقيقية عن الله واقترب من هؤلاء المنبوذين وأحبهم وأكل معهم رأيناهم يحبون صورة الله الظاهرة في يسوع، وكان هذا دافعهم للتوبة والرجوع لحياة البر والقداسة!! وللحديث بقية (يتبع)