الأحد، 5 أبريل 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (10)
فخرى كرم
«يسكت في محبته» (صف3: 17)
أحياناً يكون السكوت هو أبلغ تعبير عن المحبة!! عندما نسكت عن تذكير الآخرين بخطاياهم وتكرار لومهم على سقطات الماضي فنحن نعلن محبتنا لهم ونساعدهم على نسيان الماضي والنهوض من ضعفاته!!
للأسف نحن نميل بطبعنا إلى كثرة الكلام عن أخطاء وسلبيات الآخرين، أرجلنا سريعة إلى سفك الدم، نظن أنه بكثرة ذكر خطايا الآخرين نبرِّر أنفسنا!! وإن أخطأ إلينا أحدهم لا نكفُّ عن لومه وتقريعه وتذكيره دائماً بخطئه، وكثيراً ما كان سم الأصلال تحت ألسنتنا ونحن نتحدث عن ضعفات الآخرين ونقائصهم، كثيراً ما جرحنا الآخرين جروحاً غائرة بكلمات كان بإمكاننا أن نسكت عنها، وكثيراً ما منعنا نهوض البعض من ضعفهم لأننا دائماً نتكلم عنهم بسلبية ونذكِّرهم بفشلهم السابق.
ما هو الحل لكثرة كلامنا السلبي هذا؟! إنها المحبة ولا شيء آخر!! المحبة التي تعرف أن تستر كثرة من خطايا، المحبة التي إن وجدت أن الكلام لن يكون مفيداً للآخرين لا تنطق به، المحبة التي تتمنى للخاطئ أن يعود وللضعيف أن يقوى وللفاشل أن ينجح، المحبة التي تعرف متى توبِّخ المخطئ على خطئه ومتى تسكت عن التوبيخ لكي تعطيه فرصة أن يخرج من ماضيه ويبدأ بداية جديدة، فكثرة التوبيخ قد تربط المخطئ بماضيه وتقيِّده وتمنعه من النهوض.
عندما عاد الابن الضال بعدما أنفق أموال أبيه بعيش مسرف وجدنا الأب يركض ويقع على عنقه ويقبِّله دون أن يوجه إليه أية كلمة!! لقد سكت الأب عن كلام كثير كان يمكن أن يقال، ما أكثر كلمات اللوم والتوبيخ التي يمكن أن تقال في موقف مثل هذا، ما أكثر الأسئلة المحرجة التي يمكن أن يوجهها الأب لابنه عن أين كان ومع مَن عاش وكيف خسر أمواله، وكل هذه الكلمات كان يمكن ادراجها تحت بند التأديب الأبوي وحق الأب في أن يعرف كل شيء عن ابنه وعن أمواله، لن يلوم أحد الأب إن نطق بكلمات شديدة وجارحة في هذا الموقف، لكن الأب الصالح قرَّر أن يسكت تماماً ولا يوجِّه لابنه كلمة واحدة، إنه سكوت المحبة الأكثر بلاغة من أية كلمات، لقد لاحظ الأب بنظرة محبته أن ابنه منهك ومتألم ولا يحتمل أي ألم إضافي فقرر أن يسكت لكي لا يزيد ألمه، ولقد لاحظ ثانياً أن ابنه قد أدرك خطأه وندم عليه فقرر أن يسكت عن لوم لن يضيف جديداً، ولاحظ ثالثاً أن ابنه العائد يتمنى أن يبدأ بداية جديدة ينسى فيها ماضيه الشائن فقرر أن يسكت لكي يساعده على النسيان!!

انكار بطرس في ليلة الصليب كان خطأ جسيم بلا شك، وما أكثر الكلمات التي يمكن أن تقال له بعد هذا السقوط المدوي، حتى أننا في أيامنا هذه لا نكف في أحاديثنا عن ذكر هذه الحادثة وتفنيدها من كل الجوانب، ولا نملُّ إطلاقاً في كل مواعظنا من التذكير بسقطة بطرس الشهيرة وبكائه المر، ومن حسن الحظ أن بطرس لم يقع بين أيدينا نحن في أيامنا الأخيرة هذه وإلا ما استطاع قط أن ينهض من سقطته!! لقد وقع بطرس بين يدي الرب الصالح الذي لم يذكر الكتاب أنه وجَّه إلى بطرس أية كلمة لوم أو عتاب على سقطته، بل لم يذكرها أمامه فيما بعد!! وكان هذا هو أكبر دافع لبطرس لكي ينسى فشله وينهض من سقطته ويعود إلى خدمته ويصير رسول المسيح وخادم كنيسة أورشليم الأمين، هل سألنا أنفسنا لماذا لم يذكر بطرس سقطته هذه في أيٍ من أحاديثه في سفر العمال أو رسائله الرعوية بعد ذلك؟! كيف استطاع أن ينفك من أسر الماضي ويسير للأمام ولا يعود يذكر سقوطه المؤلم؟! لقد نسي الماضي لأن الرب لم يذكره أمامه ولو بكلمة واحدة!! لقد سكت الرب في محبته لبطرس عن ذكر ضعفه وسقوطه فاستطاع بطرس أن ينساهما ويبدأ من جديد!!  وللحديث بقية (يتبع)