السبت، 1 يونيو 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (29)
بقلم : فخرى كرم

«ليأتِ ملكوتك» (مت6: 10)
بدأ الرب يسوع خدمته بالكرازة ببشارة الملكوت قائلاً «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات» (مت4: 17) وعلَّم تلاميذه أن يكون جزء أساسي في صلاتهم مخصص لطلب مجيء هذا الملكوت، ولكي نفهم هذا الجزء من «الصلاة الربانية» ينبغي أن نفهم أصل فكرة الملكوت وتطورها.
عندما خلق الله الإنسان وضع صورته وصفاته فيه لكي يعلن ملكيته لهذا الإنسان، كما كان قيصر يضع صورته على الدينار ليؤكد ملكيته لهذه العملة، فالإنسان مخلوق لكي يعيش تحت سلطان ومُلك الله، وهذا الوضع ليس تقييداً لحرية الإنسان ولا تكبيلاً لقدراته بل هو قمة الاتساع والاطلاق لقدرات الانسان، فـ «ملكوت الله» هو «المناخ» الصحي الوحيد القادر أن يحرر الانسان ويُطلق قدراته من قيود الضعف والمرض والموت.
وعندما خلق الله الإنسان أعطاه سلطاناً وملكاً على الأرض وسائر المخلوقات الأخرى، ولكي يستمر سلطان الإنسان على الأرض كان ينبغي أن يظل خاضعاً لسلطان الله على حياته، ولكن بالعصيان تمرد آدم على ملك الله وسلطانه وخضع باختياره لمُلك آخر هو الشيطان، وبالتالي أُخضعت كل الخليقة للبُطل وصارت في حالة الأنين والتمخض حتى يومنا هذا (رو8: 18-22) بل وصارت الخليقة تتمرد على مُلك الإنسان وانفرط عقد خضوعها لسلطانه، وأصبح الإنسان يعيش في «مناخ» ملكوت الشيطان وهو مناخ الضعف والمرض والموت.
أية مقارنة بسيطة بين الحياة التي عاشها آدم في جنة عدن والحياة التي عاشها بعدما طُرد إلى الأرض تُظهر الفرق بين الحياة في ملكوت الله والحياة تحت أي ملكوت آخر!! فالمناخ الذي يميز ملكوت الله هو مناخ البر والسلام والفرح (رو14: 17) أما المناخ السائد في ملكوت الشيطان فهو الضعف والمرض والموت!!
مرت آلاف السنين بعد خروج الإنسان من ملكوت الله ومعاناته تحت مُلك الشيطان حتى جاء ربنا إلى الأرض ليكرز بعودة ملكوت الله إلى الأرض مرة أخرى!! ولم تكن كرازته بالكلام فقط بل نقل للناس «مناخ» ملكوت الله الذي كان في جنة عدن، فرأيناه يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب ويطرد الأرواح الشريرة التي سادت على حياة الناس ويُعيد الحياة للأجساد والنفوس التي ماتت وانسحقت تحت المرض والضعف والموت.
وعندما أرسل ربنا تلاميذه في ارساليتهم الأولى (مت10) طلب منهم أن تقتصر كرازتهم على خراف بيت إسرائيل الضالة وألا يمضوا في طريق للأمم أو يدخلوا مدينة للسامريين، فالقصد الأول كان استعلان ملكوت الله على الأرض من خلال شعب الله الأرضي القديم، ولقد أيَّد الرب تلاميذه بسلطان لشفاء المرضى وإقامة الموتى وإخراج الشياطين لكي تكون كرازتهم بالملكوت مؤيدة بسمات و«مناخ» هذا الملكوت، وكان الوعد أنه اذا قبلت الأمة اليهودية ملكوت الله وخضعت له يُستعلن هذا الملكوت في وسطهم بصورة مادية منظورة بكل قوته وبهائه (مت10: 23) وللحديث بقية (يتبع)