الأربعاء، 27 يوليو 2022

أحاديث من القلب


سبعة أرواح الله ( 6 )

بقلم : فخرى كرم

تتعدد أوجه تعاملات الروح مع جنسنا البشري، وكل وجه من هذه الأوجه له سماته التي قد تختلف في ظاهرها وأساليبها عن سمات الأوجه الأخرى حتى إن النظرة الخارجية لهذه التعاملات تراها من صنع أرواح متعددة، ولكن النظرة العميقة لجوهر هذه التعاملات تراها ذات جوهر واحد لأنها نابعة من شخص الروح الواحد الذي في كل تعاملاته - مهما اختلفت وتنوعت - يهدف إلى شيء واحد ألا وهو تتميم مشيئة الله على الأرض.

ورغم أن الأصل في أقنوم الروح هو أنه غير منظور، وصفاته لا يمكن وضعها تحت الملاحظة والفحص، إلا أنه في بعض الأحيان يقدم لنا نفسه من خلال بعض الصور الرمزية والهيئات الجسمية التي تقرب إلى أذهاننا بعضا من صفاته وأعماله، لعلها تساعد الإنسان في أن يتوافق مع الروح في صفاته ويخضع له في تعاملاته ويشترك معه في أعماله.

وإن كنا لا نستطيع أن نرى أعماق الروح ونفحص أعماله إلا أننا نستطيع أن نتدارس سوياً تلك الصور الرمزية التي وردت في الوحي المقدس والتي تشير إلى الروح المبارك ونحاول أن نستخلص منها ما أراد الله أن نعرفه عن الروح، لعل هذا يقربنا إلى فهم أعمق لشخصه الكريم وبالتالي إلى توافق أكثر مع أعماله ومشيئته في حياتنا.

الصورة الأولى : الحمامة

فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه» ( مت ۳: ۱۹)

عندما حانت بداية الخدمة العلنية للرب يسوع ذهب إلى يوحنا المعمدان ليعتمد منه. كان كل النازلين للعماد في نهر الأردن يحركهم دافع واحد هو «الهرب من الدينونة الآتية» (مت 3 : 17 ) أما هذا الشخص الفريد الكامل في كل طرقه فكان دافعه للنزول إلى نهر الأردن مختلفاً كل الاختلاف، كان دافعه هو «إكمال كل بر» (مت 3 : 15 ) ولهذا لم يجد الروح لنفسه مستقرأ إلا على هذا الإنسان لأن هناك توافقاً تاماً بينهما، فالروح هو الحامل لكل البر والعامل لتتميمه على الأرض، وها هو يسوع يقدم جسده وحياته لتكميل كل بر، ولذلك كان من اللائق أن يعلن الآب على الملأ أنه يسر بهذا الإنسان، ويعلن الروح أنه وجد لنفسه أخيراً موطئاً في أرض الإنسان، ولهذا انفتحت السماء ونزل الروح بهيئة جسمية مثل حمامة واستقر عليه.

هل تجد لنفسك موطئاً في حياتي يا روح الله ؟! هل تجد توافق بين قلبي وقلبك ؟! هل تجد في قلبا يسعى لإكمال كل بر ؟! ليتك تجد!! |

ولسنا في حاجة هنا إلى تكرار القول إن روح الله منزه عن الشبه أو الانحصار في هيئة جسمية مهما كانت، ولا ينبغي أن نظن أن روح الله يشبه الحمامة من قريب أو بعيد، لكن الله لجأ إلى هذه الهيئة الجسمية لكى يقرب إلى أذهاننا الضعيفة حقائق روحية عظمى سوف تميز خدمة المسيح في الفترة التالية من حياته، فإذا كان الروح أكبر من أي شبه ولا يحتاج أن يعلن عن نفسه بأية صورة جسمية لكننا نحن نحتاج إلى هذه الصورة الجسمية لكي نستطيع أن نستوعب تعاملاته معنا.

لماذا الحمامة ؟!

كان الروح مزمعاً أن يصبغ حياة يسوع بصبغة معينة ويتمم من خلاله مشيئات خاصة ظلت كامنة في قلب الله ولم تعبر عن نفسها من قبل لأنه لم يوجد الإناء الإنساني المؤهل لحملها، وتفاصيل هذه الصبغة والمشيئة كثيرة ومتنوعة ولكن إذا بحثنا لها عن عنوان واحد مختصر يجمل لنا كل محتوياتها فلن نجد أفضل من « الحمامة» لتكون عنوانا لتلك الحياة الفريدة.

عندما نذكر الحمامة تتوارد على الذهن فورا معاني الوداعة والهدوء والسلام والمحبة والبساطة والنقاء، وهذه هي المعاني التي ظهرت في حياة يسوع وخدمته، وكانت واضحة في كل تفاصيل حياته حتى الصليب، لذلك فالحمامة كانت عنوانا مناسباً لتلك الحياة الكريمة.

لكن قبل أن ننتقل للحديث بالتفصيل عن كل من هذه المعاني لابد أن نقول هنا إن نزول الروح في المعمودية لم يكن بداية عهد يسوع بالروح، حاشا، فحياة يسوع كلها منسوجة بالروح القدس منذ كان جنيناً في أحشاء العذراء، وفي كل حياته كان خاضعاً لقيادة الروح وتعاملاته، فبلاشك أن سرور الآب به في وقت المعمودية لم يكن وليد اللحظة بل تتويجا لثلاثين سنة من الخضوع لمشيئة الآب في الظل وبعيدا عن عيون الناس، أما الآن فقد حان وقت خدمته العلنية للناس لذلك أتى الروح عليه بهيئة منظورة لتكون خدمته علنية ومؤيدة بسلطان من الله، وللحديث بقية.

 

الخميس، 21 يوليو 2022

أحاديث من القلب


سبعة أرواح الله ( 5 )

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن الرب يسوع له المجد احتوى في شخصه كل مشيئة الله، واليوم ينبغي أن نضيف أنه في نفس الوقت احتوى في شخصه كل طبيعة الإنسان، لقد نزل إلى أعماق قلب الإنسان وحمل على كاهله كل ضعف الإنسان وخطيته، ومن المؤكد أن الجمع بين ملء مشيئة الله في سموها وعمق ظلمة الإنسان في حضيضها أمر مستحيل، وبلا شك أن الهوة واسعة جدا بين ما هو فوق جميع السموات وما هو في أقسام الأرض السفلى، ومن يحاول أن يجمع بينهما لابد أن ينسحق، ومن يريد أن يضع يديه على كليهما لابد أن يتمزق بينهما، وهذا هو جوهر المصالحة التي صنعها يسوع بدمه.

وإذا كان اتساعه لكل مشيئة الله جعله مشبعاً لقلب الأب فإن احتماله لكل طبيعة الإنسان جعله قريباً لقلب الإنسان، لو كان يمتلك ملء مشيئة الله فقط لشعرنا بالفجوة الواسعة التي تفصل بيننا وبينه حتى يستحيل أن نقترب إليه، أما كونه يحتوي ما في قلوبنا أيضا فهذا يجعلنا نقترب منه بلا خوف لكي ننهل من ملء مشيئة الله التي فيه، لقد أصبح يسوع هو حلقة الوصل بين سبعة أرواح الله وأعماقنا الساقطة!!

وبأسلوب سفر الرؤيا الرمزی نقول إن احتواء يسوع لمشيئة الله جعله يمتلك سبعة أرواح الله، أما احتواؤه لأعماق الإنسان فجعله يمتلك :

السبعة الكواكب

السبعة الكواكب هم ملائكة سبع الكنائس (رؤ ۲۰:۱ ) وهم صورة رمزية تشير إلى مؤمني الكنيسة في كل أطوارها الروحية والتاريخية، وكما قلنا سابقا إن لفظ «سبعة» أرواح الله لا يشير إلى عدد بل إلى كمال وشمول وتنوع عمل الروح القدس، كذلك نقول الآن إن لفظ «سبعة» كنائس لا يشير إلى عدد معين بل بالحرى إلى كمال وشمول وتنوع المراحل التي ستجتازها الكنيسة منذ يوم الخمسين وإلى يوم الاختطاف.

وعندما نرى السيد ممسكا في يمينه سبعة الكواكب فهذه صورة رمزية تحاول أن تصور لنا حقيقة أن السيد له مطلق السلطان في حياة المؤمنين كأفراد و ككنيسه ، وأن في شخصه كل الكفاية في كل المراحل التي سيجتازونها من البداية وإلى النهاية، وهو لم يمتلك هذا السلطان والحق إلا لأنه نزل إلى أعماق الإنسان وحملها أمام الله ودفع ثمنها كاملا، مما أعطاه الحق في أن يأتي بهؤلاء المؤمنين من أعماق الخطية ويفك عنهم قيودها ويحررهم من قبضة إبليس ويصعد بهم أمام عرش الله مبررين وبلا لوم.

ليس لأحد أن يمتلك سبعة أرواح الله إلا إذا اتسع كيانه لكل مشيئة الله، وليس لأحد أن يمتلك سبعة الكواكب إلا إذا اتسع كيانه لكل طبيعة الإنسان، ولم يتسع كيان لهذه وتلك إلا كيان هذا الشخص الفريد حتى استحق هذا الحق المزدوج: «الذي له سبعة أرواح الله وسبعة الكواكب »!! 

 

الحق المزدوج

       وهذا الحق المزدوج نراه جلية في الرسائل السبع الواردة في (رؤ ۲: ۳) ففي صدر كل رسالة نرى حق يسوع في أن يعرف كل ما في أعماق الإنسان، فنراه يبدأ كلامه بالقول «أنا عارف أعمالك...» !! إنه يعرف جيدأ ما في أعماق المؤمنين ليس بصفته مراقباً بل بصفته فادياً !! لقد نزل إلى أعماق هذه النفوس وحملها أمام الله فكيف لا يعرفها !! ولأنه دفع دمه ثمناً لهذه الأعماق فمن حقه أن يخرجها إلى النور ويمتحنها ويدينها.

أما في خاتمة كل رسالة فنرى حق يسوع في أن يعرف كل ما في قلب الروح، حتى إنه يختم كلامه بالقول «من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس » !! فرغم أن يسوع هو المتكلم للكنيسة إلا أنه يؤكد أن ما قاله هو بالضبط ما يريد الروح أن يقوله للكنيسة!! لقد امتلا بسبعة أرواح الله حتى صار له الحق أن ينطق باسم الروح، وصارت أقواله وأحكامه هي بالضبط أقوال وأحكام شخص الروح القدس.

كان لابد لنا من هذه المقدمة قبل أن نتقدم أكثر في الحديث عن سبعة أرواح الله لكي يظل راسخاً في أذهاننا أنه ما كان لنا أن نعرف شيئا عن الروح إلا من خلال يسوع، وما كان لنا أن نفهم أعمال الروح المبارك إلا إذا رأيناها أولا في شخص يسوع، وأننا لن نستطيع أبدأ أن نمتلىء بالروح إلا بشفاعة يسوع ومن خلال شركتنا معه والتصاقنا به، فلنستودع أنفسنا إذا بين يديه كالكواكب السبعة لكى يقودنا إلى كل مشيئة الله وملء رضاه، وللحديث بقية.

 

 

السبت، 16 يوليو 2022

أحاديث من القلب


سبعة أرواح الله ( 4 )

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن روح الله المبارك يحمل مشيئة الله الكاملة وينقلها إلى أرض الإنسان بأنواع وطرق كثيرة، تختلف من وقت إلى آخر بل ومن إناء إلى إناء في نفس الوقت، وذلك بسبب تعدد وجوه المشيئة الإلهية وأيضا بسبب قصور الإناء الإنساني في معظم الأحيان عن استيعاب وحمل أكثر من وجه واحد لهذه المشيئة، إلا أن هناك إناء إنسانياً واحداً استطاع أن يستوعب ويحمل كل مشيئة الله وينقلها إلى أرض الإنسان، ورغم كونه إناء إنسانياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلا أنه استطاع أن يقدم نفسه لتكون موطئاً لقدم الروح المبارك بكل ما يحمله من مشيئة إلهية، فصارت حياته أرضاً لسبعة أرواح الله جميعا، حتى استحق أن يأخذ هذا الاسم الذي هو فوق كل اسم:

«الذي له سبعة أرواح الله» !!

       إنه « يسـوع» المولود من امرأة والمولود تحت الناموس مثل كل أبنــاء شـــعبه (غل 4: 4) كان يشبه إخوته في كل شيء (عب 2 : 17 ) وكان مجرباً في كل شيء مثلنـــا (عب 4 : 15 ) لكنه منذ صباه قرر أن يضع نفسه بالكامل في مشيئة الله (لو 49:۲ ) أحب هذه المشيئة جداً فاتسع قلبه لها (عب 1 : 9 ) كانت له طعامه الذي يقتات به في وسط جيل كان يقتات بالإثم ( يو 4 : 34 ) بل كان يحيا بها وليس بالخبز وحده (مت 4 : 4) حتى قيل عنه بالحق في درج الكتاب «أن أفعل مشيئتك يا إلهى سررت، وشريعتك في وسط أحشائي» (مز 40 : 8 ).

ولأنه قدم حياته بهذا الشكل لمشيئة الله لذلك وجد الروح المبارك الفرصة لكي يعمل بكل حرية في حياته، واستطاع أن يملأه بكل مشيئة الله بكل أوجهها المتعددة وأعماقها المتنوعة، وبعدما تكلم قديماً مع الآباء بأنواع وطرق كثيرة استطاع أن يقول كل ما يريده في شخص واحد هو ربنا يسوع المسيح له المجد، الذي لم يعاند هذه المشيئة قط وإلى الوراء لم يرتد، فاتسعت حياته لمحبة الله الباذلة لأجل الإنسان، وأيضا اتسعت لعدالة الله الساحقة لشر الإنسان!! فوجدت الحمامة موطئاً لقدميها عليه، والنار أيضا وجدت مستقراً لها في وسط أحشائه!!

لم يقبل جوانب من مشيئة الله ويرفض أخرى، بل أحب المشيئة كلها ووضع حياته لنقلها كلها ، ولذلك سرّ به الآب وجاهر بهذا السرور على جبل التجلي عندما ظن بطرس أن يسوع يمكن أن يكون مثل موسى وإيليا فأتاه الصوت من السماء أن يسوع وحده اكتمل فيه السرور ويحق له وحده الخضوع (مت 17 : 5 )  فإن كان موسى قد حمل جانبا من المشيئة وحمل إيليا جانبا آخر، فإن يسوع وحده اجتمعت فيه كل الجوانب المتقابلة، الرحمة والحق التقيا في قلبه والبر والسلام تلاثما هناك (مز ۸5 : ۱۰).لذلك كان حضور الروح في حياته كاملا وغزيراً وليس كمسحه محدودة كما هو الحال مع كل رجال الله في كل العصور، كانت مسحة الروح لحياته تتميز بالغزارة وبابتهاج قلب الآب به، لذلك قيل عنه « مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك» (عب 1 : 9 ) .

قياس قامة ملء المسيح

       هذه هي قامة المسيح، وهذا هو قياس ملئه!! لقد امتلأ بكل ملء اللاهوت وهو بعد في الجسد ( كو ۹:۲) لقد وضع فيه الله كل ملء مشيئته بسرور (كو۱۹:۱) وعندما أكمل عمل الفداء أقامه من بين الأموات وجعله رأساً لشعب كبير يكون جديراً بحمل تلك المشيئة الكاملة إلى العالم، وهذا الشعب هو الكنيسة (أف 1 : 23 ) وكل فرد في هذه الكنيسة ينبغي أن يرتبط بالرأس ويأخذ من ملئه نعمـــة فوق نعمة بحسـب قدرة إنائه على الاســـتيعاب ( يو 1 : 19 ) . والروح المبارك الذي ملأ شخص المسيح هو نفسه الذي يتحرك في حياتنا الآن ويأخذ من ملء المسيح ويعطينا بحسب حكمته المتنوعة وبحسب قدرة أوانينا على الاستيعاب (1 كو 12 ) والروح يشتاق أن ينقل مشيئة الله كاملة إلى أعماقنا كما هي في رأسنا المسيح، إنه يريدنا أن نبلغ إلى نفس قياس ملء المسيح ( أف 4 : 13) وعندئذ فقط ستصبح الكنيسة جديرة بالانتساب للمسيح وقادرة على تتميم خدمته وتمجيد اسمه.

وخلاصة القول إنه كلما تقدمنا في معرفة سبعة أرواح الله سنجد أنفسنا نتقدم في معرفة شخص ربنا يسوع المسيح، وكلما اقتربنا إلى أعتاب الروح لنسمع منه عن مشيئة الله سنجده يضع أمامنا شخص المسيح، لأنه وحده الذي له سبعة أرواح الله والذي امتلأ بكل مشيئة الله وتممها على الأرض، آه، ليتنا نحب هذه المشيئة كما أحبها هو، وليتنا نفتح أعماقنا أمام الروح كما فعل هو، وللحديث بقية.

 

 

 

الاثنين، 11 يوليو 2022

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله ( 3 )

بقلم : فخرى كرم

مشيئة الله ثابتة وواحدة دائما في جوهرها الذي هو الحق والعدل والصلاح، ولكن إعلان هذه المشيئة في أرض الإنسان يختلف كثيراً من وقت إلى وقت ومن إنسان إلى آخر بحسب الاحتياج المتغير للإنسان وقدرته على الاستيعاب، ولأن الروح هو المكلف بإعلان مشيئة الله للإنسان لذلك نراه يقترب من الإنسان بأشكال وأساليب متعددة ومختلفة حتى تحسبه أرواحاً متعددة، ولهذا دعاه الكتاب « سبعة أرواح الله». ولنأخذ مثلا عن اختلاف تعاملات الروح في الأوقات المختلفة من تاريخ شعب الله:

عندما كان الشعب مستعبداً مقهوراً في مصر تحرك قلب الله بالشفقة على الشعب والرغبة في خلاصه، فقام الروح باختيار الإناء الإنساني المناسب وأعده لإتمام هذه المشيئة كما هي في السماء كذلك على الأرض، وعندما اكتنف الروح موسى ملأه بالشفقة والمحبة للشعب مما دفعه لرفض كل خزائن مصر لكى يلتصق بهذا الشعب المهان، وملأه بروح حلم واحتمال يفوق قدرة الإنسان لكي يستطيع أن يحتمل شعبأ كثير التمرد والعصيان، ولقد استطاع الروح المبارك من خلال قيادته لهذا الإناء الإنساني أن يتمم مشيئة الله في أرض الواقع، وأعلن للشعب كيف إن الله مهتم بهم ومحتمل لضعفاتهم وغافر لأخطائهم.

ولكن إذا انتقلنا إلى وقت آخر من تاريخ شعب الله، في أيام آخاب الملك، نجد الشعب مرتداً ، ناسياً لإلهه، عابدأ للبعل!! وفي هذا الوقت كان قلب الله يموج بالغضب والقضاء، ومرة أخرى نجد الروح يحمل هذه المشيئة ويبحث عن إناء إنساني يستطيع من خلاله أن يتمم هذه المشيئة في أرض الواقع، ولقد وجد إيليا التشبي وأعده إعداداً خاصاً ، وعندما اكتنف الروح إيليا وجدناه يمتلىء غضباً وسخطاًعلى ضلال الشعب، وامتلأت كلماته بالقضاء والوعيد، واصطبغ طريقه في وسط الشعب بالنار والدم!!

إن روح الحلم والاحتمال التي ظهرت في موسى تختلف كل الاختلاف عن روح القضاء والدينونة التي تجلت في إيليا، حتى إن النظرة السطحية لا تستطيع أن تصدق أنهما من عمل روح واحد إلا عندما تراهما جنبا إلى جنب على جبل التجلي تظللهما سحابة واحدة !!

لكن الاختلاف في معاملات الروح لا يكون فقط من وقت إلى آخر بل..

من إناء إلى إناء!!

 كان يوحنا المعمدان معاصراً للمسيح ومع ذلك كان هناك اختلاف كبير بين الروح التي تجلت في كل منهما، فبينما رأينا يوحنا ينعزل عن الشعب ويختلف عنهم في كل شيء حتى في المأكل والملبس، وجدنا الرب يقترب جدا منهم ويترفق بهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم، أو بحسب تعبير الرب «جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب... وجاء ابن الإنسان يأكل ويشرب (مت ۱۸:۱۱ ).

إن روح الانعزال والقضاء التي ظهرت في يوحنا تختلف تماما - في مظهرها - عن روح المحبة والغفران التي تجلت في المسيح، حتى إن كثيرين - ومنهم يوحنا نفسه – كادوا يعثرون في هذا الاختلاف (لو 5 : 33 ، ۱۹:۷)، ولكن الحقيقة أن كلا منهما كان من عمل الروح الواحد، وكلا منهما كان يتمم المشيئة المعلنة له ويصطبغ بالصبغة المحددة له، والإناء الصالح هو الذي يقبل المشيئة المعلنة له ويميز أسلوب الروح في التعامل معه مهما اختلف في مظهره عن أسلوب الروح في التعامل مع الآخرين.

من أي روح نحن ؟!

 لعل الموقف الوارد في (لو 9 : 51 - 56 )يلقي مزيدا من الضوء على موضوعنا هذا. عندما طلب ابنا زبدى أن تنزل نار من السماء لتفني قرية السامريين كانا يطلبان شيئا فعله إيليا من قبل، لم يكن الطلب إذا خاطئاً في حد ذاته، لكن الخطأ كان في محاولة تقمص روح إيليا بينما الروح الذي يمتليء به سيدهم في هذا الوقت كان مختلفاً تماما عن روح إيليا، كان الخطأ أنهم لم يميزوا الروح الذي يصبغ هذه المرحلة من خدمة سيدهم، أو بحسب تعبير الرب « لستما تعلمان من أي روح أنتما ، لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص»، كان ينبغي أن يصطبغا بالصبغة التي يصطبغ بها الرب، وليس بالصبغة التي اصطبغ بها إيليا (مت 20 : 22 ) كانت روح إيليا مناسبة في خدمته أما في خدمة الرب فلم يكن لها مكان البتة!!

كم نحتاج أن نميز من أي روح نحن!! إن الروح يحمل مشيئة خاصة بك وبكنيستك وببلدك، لا تحاول أن تقلد أحداً أو تستحضر روحا امتلأ به شخص آخر أو تصطبغ بصبغة خادم غيرك، اسع لكي تعرف أي روح يريد الله أن يملأك به وأية صبغة يريد أن يصبغ بها خدمتك، واعلم أن أية محاولة لتحديد شكل ثابت لمعاملات الروح هي محاولة فاشلة، فالروح كان وسيظل حراً في أن يتعامل مع الإنسان بأنواع وطرق كثيرة.. وللحديث بقية.

 

السبت، 9 يوليو 2022

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله ( 2 )

بقلم : فخرى كرم

 

أول صفة تصادفنا لسبعة أرواح الله هي «التي أمام عرش الله»، وغنى عن البيان أن العالم الروحي ليس فيه عروش مادية لها أبعاد محددة، فالسماء كلها هي كرسي الله كما قال الرب (مت 5 : 34 ) وبالتالي فالسماء ليس فيها «أمام» و «خلف»، أي أن تعبير « أمام العرش » هو أحد الصور الرمزية التي تحدثنا عنها في العدد الماضي، والمقصود منها هو تقريب معنى روحي كبير إلى أذهاننا الصغيرة.

وما المعنى الكامن وراء كون الروح المبارك «أمام العرش» ؟ إن وجوده « أمام» العرش يعني أن كل ما يخرج من العرش لابد أن يمر من خلاله، وأيضا كل ما يرجع إلى العرش لابد أن يمر من خلاله، أو بتعبير آخر نقول إن الروح هو حامل مشيئة الله إلى كل الخليقة وهو أيضا حامل مشيئة كل الخليقة إلى الله.

 

حامل مشيئة الله..

       الروح القدس يهتم بأن يعرف مشيئة الله ويهتم بأن يتممها في كل الخليقة، إنه يفحص أعماق الله ويعرف ما يريده ثم يذهب إلى كل الأرض ليتممه، وهو بذلك يشبه عمل «النور»، ولذلك قيل عنه « وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله»(رؤ4 : 5 )

إن نور مشيئة الله يشع من خلال الروح إلى كل موضع في هذه الخليقة، ولهذا قال عنه الرب « يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به»(يو 16 : 13 )

إنه موجود دائماً أمام العرش لكي كل ما يسمعه من حق في مشيئة الله ينقله إلينا، له كل المجد!!

 

.. وحامل مشيئة الخليقة

ومن الناحية الأخرى هو حامل أعماق الخليقة، تجده دائما يرف على كل مواضع الخراب فيها ، بل هو يعرف أعماقنا أكثر مما نعرفها نحن، حتى إنه عندما يجدنا عاجزين عن التعبير عن أعماقنا بصورة صحيحة يتولى بنفسه مهمة حمل هذه الأعماق والقدوم بهــا إلـى الله (رو 8 : 26 ) !! وهو من هذا الجانب يقوم بعمل «العين»، ولذلك قيل عنه أيضا «سبعة أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض» (رؤ 5 : 6 ) .

النور يرسل والعين تستقبل، النور يحمل مشيئة الله الصالحة لكل الخليقة والعين ترصد كل ما في الخليقة وتقدمه إلى الله، إنه من الناحية الواحدة يأتي بمحبة الله وتشجيعه إلى قلوبنا ومن الناحية الأخرى يأخذ ضعف قلوبنا ويشفع فيه أمام الله، إنه يزرع في قلوبنا محبة الله ويأخذ مردود هذه المحبة ويقدمه إلى الله، لا توجد مشيئة في قلب الله إلا والروح هو حاملها ومتممها، ولا يوجد مجد لله في الخليقة إلا والروح هو صانعه ومقدمة إلى الله!!

 

امتحنوا الأرواح

وعلى العكس من روح الله المنير بمشيئة الله توجد أرواح كثيرة معتمة تحمل إرادتها الذاتية وتسعى لتنفيذها ، أرواح كثيرة تدور في فلك إرادتها الخاصة ولا توجد «أمام عرش الله»، أي إنها لا تعرف مشيئة الله ولا تحاول أن تعرفها ولا تحب أن تتممها، إنها الأرواح الساقطة المحكوم عليها بقتام الظلام إلى الأبد لأنها اختارت أن تعيش في الظلام، ظلام المشيئة الذاتية بعيدة عن نور مشيئة الله، إنها مملكة إبليس وجنوده.

وفي أرض الإنسان أيضا توجد الأرواح الإنسانية المظلمة، عندما يبتعد الإنسان بإرادته عن إرادة الله تتحول روحه إلى روح مظلمة ساقطة، لا تستطيع أن تقترب من أمام عرش الله ولا تريد أن تقترب!!

وفي وسط هذا الظلام الحالك يبقى روح الله المبارك هو مصدر النور الوحيد في هذه الخليقة. إنه الوحيد الذي يمثل دائماً «أمام» عرش الله ليحمل مشيئته ويتممها ، له كل المجد!!

هل تريد أن تميز الأرواح؟ هل تحب أن تعرف ما إذا كنت تتعامل مع روح الله أم مع روح آخر؟ إذا كنت تتعامل مع روح الله فلابد أن يقودك دائما إلى «أمام عرش الله»! سيعلمك كيف تحب وتمتلىء من مشيئة الله، سيشملك بالرغبة في تتميم هذه المشيئة ولو على حساب مشيئتك الذاتية!! سيعلمك كيف تقبل مشيئة الله وتتممها وكيف تقدم نفسك لله ذبيحة حية مقدسة، سيعلمك كيف تأخذ وكيف تعطي أمام عرش الله! ! أما أي روح يملؤك بذاتك ويجعلك تدور في فلك نفسك ولا يملؤك حبا لمشيئة الله فهو روح ضلال مهما اكتسى بأثواب براقة!!

ليتك تكتنفني يا روح الله، خذ بيدي وعلمني كيف أبقى دائما أمام عرش الله، ليتك تنير روحي بنور مشيئته الصالحة، وتعينني لكي أتممها في حياتي، وعلمني كيف أقدم له المجد اللائق بجلاله، آمين (يتبع).

 

السبت، 2 يوليو 2022

أحاديث من القلب

 بنعمة الرب سنبدأ بسلسلة جديد من المقالات للأخ : فخرى كرم ... استكمالا للسلسلة السابقة عن الروح القدس حتى يكون الموضوع قد استوفى من معظم جوانبه..نطلب من الرب بركة لكل من يقرأ هذه المقالات و أن تكون فيها اضافة جديدة له .


سبعة أرواح الله ( 1 )
بقلم : فخرى كرم

« نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه» (رؤ 1: 4)
ما أبعد الفرق بين الواقع في أرض الإنسان وبين الحقيقة الماثلة أمام الله، إن أصغر الأشياء في أرض الإنسان يمكن أن تتضخم وتملأ قلبه وعقله ولا تترك فيهما مكانا لأي شيء آخر، وأقل الاختبارات الروحية كافية لأن تملأ روح الإنسان تيها وغرورا وتغلق عليه كل المنافذ لقبول المزيد ، ولذلك يظل الإنسان عاجزاً عن قبول أمور الله في عمقها واتساعها، ويبقى العالم الروحى بعيداًيكتنفه الغموض ، كبيراً جدا لا يصل منه للإنسان إلا أقل القليل، عميقاً جدا لا يستوعب الإنسان منه إلا كل ما هو سطحي وضحل.
ومحاولة أن تنقل الحقائق الروحية كما هي في عالم الروح إلى ذهن وقلب الإنسان هي محاولة المستحيل نفسه!! لأن الإنسان لا يقبل إلا ما يفهمه، وهو لا يفهم إلا ما يراه، وهو لا يرى إلا عالمه المادي المحسوس.

الصور الرمزية
لذلك يستخدم الوحي رموزاً وصوراً مجازية عندما يريد أن يخترق ذهن الإنسان لينقل له فكرة عن العالم الروحي، لعله إذا قبل الرمز تتكون لديه الرغبة لمعرفة الحقيقة الكامنة وراء هذا الرمز بكل اتساعها ومجدها .
لكن ينبغي ألا تنسى أن الحقائق الروحية كما هي في السماويات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجسد في صورة رمزية، ولا توجد هيئة جسمية يمكن أن تحتوي كل اتساع ومجد الحقيقة الروحية، إن الرمز يخاطب الذهن ليقرب إليه فهم الحقيقة أما الحقيقة نفسها فستظل منتظرة روحاً مشتاقه تدخل إلى عالم الروحيات وتعيش فيه كل يوم، إن فهم الرمز يفتح الباب للدخول إلى الحقيقة الاختبارية ولكنه لا يغني عنها أبدأ، إن الرمز صورة ذهنية أما الحقيقة فحياة اختبارية.
لكن المأساة هي أن يشبع الذهن بفهم الرمز وتأمله فيه، ويعتقد أنه بفهمه للرمز يكون قد فهم الحقيقة، وبتأمله في الرمز يكون قد اختبر الحياة!! وهكذا يغلق عليه في سجن ضيق من الصور الذهنية والتعاليم الجوفاء بينما العالم الروحي الحقيقي يظل رحيباً فيما وراء هذا السجن ينتظر من يلجه .
مثلا عندما يحاول الوحي أن يصور لنا العمل الكفارى للرب يسوع لا يستطيع أن ينقل لنا عمق ومجد هذا العمل كما هو في السماويات لأن الإنسان لا يستطيع أن يفهمه أو يقبله، لذلك نجد الوحي يرسم أمامنا مرارا وتكرارا صورة الحمل المذبوح، على فم إشعياء قال عنه شاة ساق إلى الذبح، وعلى فم المعمدان قال إنه حمل الله الذي يرفع خطية العالم، وأخيرا رآه يوحنا الرائي خروفاً قائماً كأنه مذبوح!! إن هذه الصورة الرمزية يقصد بها مخاطبة الذهن البشري فقط أما حقيقة الفادي - تبارك اسمه - وعظمة عمله فستظل أكبر بكثير مما تعبر عنه هذه الصورة الرمزية المحدودة، إن كل المقصود هو أن يقبل الإنسان فكرة الفداء لعل هذا يفتح أمام روحه بابا للاقتراب من شخص الفادى واختبار عمل الفداء في عمقه كما هو في السماويات، أما من يقف عند حدود القبول الذهني للرمز ويظن أن تأمله في الصورة يغنيه عن اختبار الحقيقة فهو واهم، ومن يظن أنه سيجد في السماء عرش" يجلس عليه خروف مذبوح فهو ساذج!! فالرب له المجد لم يكن يوما خروفاًولن يكون، وليس الاضطرار لاستخدام هذه الصورة الرمزية إلا لقصور الذهن البشري واحتياجه لصورة مألوفة لديه.
لنضع في أذهاننا إذن - ونحن في بداية هذه السلسلة الجديدة من المقالات أن كل رمز موجود في الكتاب هو صورة ذهنية تخفي وراءها حقائق روحية اختبارية مذهلة، وليس المقصود من الصورة إلا تحريك الرغبة داخلك للدخول إلى عمق الحقائق الاختبارية الكامنة وراءها.

سبعة أرواح الله
وروح الله المبارك من أعظم الحقائق الروحية التي تملأ هذا الكون وتتحرك داخله في حركة دائبة وعمل دائم. بدءا من أعماق الله نفسه وحتى أعماق الإنسان المائت، من بداية الخليقة والأرض الخربه وحتى السماء والأرض الجديدتين ، متعدد الأعمال وعظيم القدرة ، في قلبه لنا نعمة وسلام عظيمان!!
وبسبب محدودية أذهاننا نجد الوحي يستخدم في مواضع عديدة رموزاً وصوراً جسمية للإشارة إلى الروح القدس، فهو تارة حمامة وأخرى نار وثالثه مياه جارية ورابعة رياح... إلخ، وذلك في محاولة للتعبير عن تنوع طبيعة أعماله في المواضع المختلفة، ولذلك نراه في سفر الرؤيا باعتباره « سبعة أرواح الله» إشارة لتعدد أعماله وكمالها في آن واحد، وسنحاول أن نقترب بخشوع من أعتاب هذا الروح المبارك لنرى مجد وتنوع وكمال عمله لأجلنا وما يملأ قلبه من نحونا ، آمين ( يتبع ) .

أحاديث من القلب

  

 عن الروح القدس (13)

بقلم فخري كرم

        نود في نهاية هذه المقالات أن نلخص بعض ما قلناه عن مؤثرات وثمار ومواهب الروح ، وأن نجعله في هيئة مقارنة لعل المعنى يكون أكثر وضوحا :                                             


                                                   

مشكلة المواهب المعجزية !!

          أعطي الله للكنيسة مواهب معجزية لكي تكون آيات تابعة تؤيد الكلمة و تشهد للمسيح و تمجد الله ( مر 16 : 17 -20 ، أع 4 : 29 – 31 ) و لم يقصد الله أن نتبع هذه المواهب بل هي التي تتبعنا ، فقد أعطى الرسل أنفسهم للصلاة و خدمة الكلمة ، و حيثما ساروا كانت هذه المواهب تتبعهم تلقائيا 0 لكن يبدوا أن الإنسان لا يستطيع أن يسير طويلا دون أن ينحرف يمينا أو شمالا !! فوجدنا بعض المؤمنين قد غالوا في تقييم هذه المواهب المعجزية ، و جعلوها محورا للاهتمام ، و دليلا على القامة الروحية ، و علامة لملء الروح القدس ، و هدفا للسعي  و التنافس ، و مجالا للافتخار الباطل !! و امتلأت الاجتماعات بالرؤى و الأحلام و النبوات ،  و لم يعد هناك مجال لتعليم كلمة الله الصحيحة ، مما جعل الوسط الكنسي أرضا خصبة لنمو الكثير من السلبيات . فرأينا ضجيجا و صخبا لا يمت للروح بصلة ، و بدأ الجسد يقلد أمور الروح من أجل الشهرة و المجد الكاذب ، و نشأت أجيال لا تعرف من المسيحية إلا المواهب ، و نمت الكبرياء الروحية حتى طغت على روح المحبة ، فوجدنا التحزب و الشقاق و الطائفية تزحف إلى داخل مسيحية رب  السلام !و بينما أصبحت مظاهر العبادة صاخبة أصبح جوهر العبارة مفقودا !

          كل هذا حدا ببعض الجماعات من المؤمنين لمقاومة هذه السلبيات فانتحوا الناحية المضادة تماما و بدأوا يقدمون تعليما بأن هذه المواهب المعجزية  قد انتهت منذ عهد الرسل  و لم نعد في حاجة إليها الآن !!

          لقد أعطانا الله في نعمته مواهب الروح من أجل إظهار مجد الله داخل الكنيسة و خارجها ، و طالما هناك " مؤمنون" فهناك آيات تابعة ( مر 16 : 17 ) و طالما بقيت الكنيسة على الأرض       بقيت الحاجة لمواهب تظهر صدق رسالة الكنيسة و عظمة إلهها 0 لكن من الناحية الأخرى لا توجد آية واحدة في الكتاب تجعل هذه المواهب محورا للاهتمام أو أساسا لبنيان الكنيسة ، أن الأسس التي بنيت عليها الكنيسة هي تعليم الرسل و الشركة و كســـــــر الخبــــز و الصــــــــــلوات ( أع 2 : 42 ) و إذا كنا مؤمنين حقا فسوف تتبعنا هذه الآيات تلقائيا ، أما إذا تبعناها نحن فلابد أن هناك خللا كبيرا قد أصاب حياتنا الروحية !!

          دعونا نجد للمواهب الحسنى كما أمرنا الكتاب بدون غيرة أو تحزب ( كو12 : 31 ) و لنعط الاهتمام اللائق للتعليم و الشركة و كسر الخبز و الصلوات ، لكي نكون كنيسة صحيحة قادرة على تمجيد الله .

و أخيــــرا ..

          إن كل ما قلناه هنا عن شخص الروح القدس و أعماله إنما هو قطرة من محيط ، هي كل ما استطعنا أن ندركه  بعقولنا القاصرة و يسطره قلمنا العاجز ، إنما المعرفة الحقيقية و التمتع الحقيقي  بشخص الروح القدس فهو ما ستناله أنت شخصيا عندما تدخل إلى مخدعك و تسجد أمامه و تضع يدك في يده و تطلب منه أن يقودك إلى أعماق الشركة معه ، إنه وحده القادر أن يملأ حياتك نفعا و قوة و ثمرا متكاثرا لمجد الله ( تمت )