السبت، 7 سبتمبر 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (32)
بقلم : فخرى كرم

«كما في السماء كذلك على الأرض» (مت6: 10)
لئلا يظن أحد أن تعبير «لتكن مشيئتك» يحمل معنى العبودية وانسحاق المشيئة الشخصية أكمل الرب الطلبة بقوله «كما في السماء كذلك على الأرض»!! فالعبد قد يقول لسيده «لتكن مشيئتك» ويتممها بغض النظر عن مشيئته الشخصية أو مدى اقتناعه بمشيئة سيده، لأنه يتحرك بروح العبودية الممتلئة خوفاً من بطش السيد، هل الرب يريدنا أن نصلي «لتكن مشيئتك» بنفس روح العبودية هذه؟! حاشا!!
عندما يطلب الرب من أبناء الملكوت أن يصلوا لأجل تتميم مشيئة الله على الأرض يضع أمامهم النموذج الكامل لهذا التتميم ألا وهو «كما في السماء»!! ولو رفعنا عيوننا إلى دائرة السماء سنجد أن كرسي الرب ثابت هناك ومملكته على الكل تسود (مز103: 19) ولو سألنا عن سبب هذا الثبات والسيادة في السماء بالمقارنة مع الفوضى والشر المنتشر في الأرض يجيبنا الوحي بأن السبب هو أن ملائكة الله يتممون مشيئته في السماء بكل دقة واجتهاد «باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه» (مز103: 20)
لكن هل الملائكة تتمم مشيئة الله بدافع الخوف والعبودية؟ حاشا، بل نراهم في (أش6) يحيطون بالعرش ولا حديث بينهم إلا عن تسبيح السيد والتغني بقداسته المطلقة ومجده الذي يملأ كل الأرض!! ان وجود الملائكة في السماء يعطيهم نظرة شاملة لمعاملات الله مع خليقته، وهذه النظرة الشاملة تؤكد لهم في كل لحظة أن قداسة الله مطلقة لا تشوبها شائبة، وأن كل معاملاته صالحة وعادلة حتى أنهم يستطيعون أن يروا مجده في كل أركان الأرض، ولذلك هم يفعلون أمره عند سماع صوت كلامه ليس بدافع الاضطرار بل بطاعة الاقتناع والحب!! 
عندما صعد يوحنا الرائي إلى السماء وصف لنا مدى التألق والمجد الموجود في المدينة السماوية، ومدى التسبيحات المحيطة بعرش الله والخروف، والسبب هو أن هناك منظومة ملائكية تعمل بكل اجتهاد في دائرة السماويات لتتميم مشيئة الله وخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب1:14) إذاً فالكتاب المقدس يعلمنا أن هناك ارتباطاً دائماً بين ثبات ملكوت الله في السماء وبين خدمة الملائكة وتتميمهم لمشيئة الله، ولأن مشيئة الله كلية الصلاح والخير فلا نجد في السماء إلا كل الصلاح والخير، ولأن الملائكة يؤدون خدمتهم بدافع الاقتناع والحب فلا نسمع في السماء إلا أصوات التسبيح والحمد للجالس على العرش.
وبالتالي نستطيع أن نفهم أن السبب وراء الانزعاج والتشويش الذي يملأ حياتنا هو أن مشيئة الله غير متممة على الأرض، البشر لا يتممون مشيئة الله بل مشيئة ابليس أبيهم (يو8: 44) ومشيئة إبليس ممتلئة ألماً وانزعاجاً وموتاً، ومع ذلك نجد أن أعداد البشر التي تتمم مشيئة ابليس أكثر بكثير من هؤلاء الذين يطلبون تتميماً لمشيئة الله الصالحة الكاملة المرضية!!
ولذلك فالرب يطلب من أبناء الملكوت أن يشغل تتميم مشيئة الله على الأرض حيزاً أساسياً في صلواتهم وفي حياتهم، ولا يكون هذا بدافع القهر والعبودية بل بدافع الاقتناع الكامل بصلاح الله والمحبة المطلقة لشخصه، تماماً كما تفعل الملائكة في السماء!! وللحديث بقية (يتبع)