الاثنين، 23 يناير 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (27)

بقلم : فخرى كرم

تكلمنا عن روح القداسة والقضاء الذي اتخذ لنفسه النار رمزا على مدى تاريخ شعب الله في العهدين القديم والجديد، ورأينا كيف أنه يتبع روح الوداعة في ترتيب تعاملات الله مع الإنسان،

وأول ما رأينا هذا الترتيب رأيناه في جنة عدن، ورأينا أول صورة رمزية لروح القضاء في هيئة سيف النار المتقلب الموضوع لحراسة طريق شجرة الحياة، إذ صارت قداسة الله وقضاؤه هما العقبة في طريق الإنسان إلى الحياة الأبدية. ولقد استمر نفس هذا الترتيب في تعاملات الله مع :

الشعب القديم

بدأ الله تعامله مع شعبه القديم - شعب إسرائيل - بروح النعمة والوداعة التي تعطى للإنسان حقوقه بسخاء وبلا مقابل، أعطاهم حقهم في أن يكونوا شعباً مستقلا يملك حرية الإرادة والفعل بعد أن كانوا عبيدا ، وأعطاهم حقهم في وطن بعد أن كانوا غرباء، وبعد أن أخذوا كل شيء أعطاهم الله الناموس وطالبهم بأن يسلكوا بموجب قداسته، وهكذا نرى مرة أخرى روح الوداعة تعطى للإنسان كل حقوقه قبل أن تطالبه روح القداسة بالمردود، فالله لم يكن ممكناً أن يعطى الناموس للشعب وهو بعد في أرض العبودية مسلوب الإرادة ومقيد الفعل، ولكن بعد أن أعطى الله للشعب حقه في حرية الإرادة والفعل أعطاه الناموس، فالناموس هو مطالب قداسة الله من الإنسان الذي استمتع بحريته، هو الحصاد الذي يبتغيه الله من أرض الإنسان التي عملت فيها النعمة كثيرة.

ولأن الناموس هو الممثل لمطالب قداسة الإنسان لذلك رأينا النار تميز وقت تسلم موسى للوحي الشريعة «كان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنــار» (خر 19 : 18 ) .

الفشل .. مرة أخرى !!

 لكن كما فشل الإنسان في جنة عدن في التجاوب مع نعمة الله، وفشل آدم في أن يعطى لله حصادا مشبعاً رغم الزرع الجيد الذي زرعه الله في حقله، نرى هنا أيضأ الشعب يفشل بعد كل إحسان الله ويظهر عدم طاعة لمطالب قداسته، ويثبت أن طبيعة القلب البشرى تحب الزيغان والابتعاد عن الله. وأن ما فعله آدم في جنة عدن لم يكن فعلا فردياً بقدر ما هو اتجاه جماعي للجنس البشري كله.

وفشل الإنسان مرة أخرى كان متوقعاً ولذلك وضع الله في الناموس شريعة تشرح كيفية التعامل مع الخطية، شريعة ترسم أمامنا صورة رمزية أخرى لقداسة الله وموقفها من الإنسان، نقصد بها شريعة :

ذبيحة الخطية

إذا أخطأ الإنسان كان يتقدم بذبيحته إلى الكاهن في باب خيمة الاجتماع أو مدخل الدار الخارجية في الهيكل، وكان يراها وهي تذبح ثم تشتعل فيها النار على مذبح النحاس، ومرة أخرى نرى الموت يقترن بالنار في ذبيحة الخطية إشارة إلى قداسة الله التي تطالب بالموت لكل ما في باطن الإنسان، وكما رأينا سيف النار المتقلب يقف في طريق الإنسان إلى شجرة الحياة نرى هنا مذبح النحاس يقف عقبة في طريق الإنسان إلى داخل خيمة الاجتماع، والمعنى واحد في الحالتين ألا وهو أن قداسة الله وقضاءه هما العقبة أمام الإنسان للتمتع بالشركة مع الله الموجود - بحسب الرمز - في داخل قدس الأقداس، كان مذبح النحاس هو أول ما يصادفه الإنسان المقترب من خيمة الاجتماع وكان في نفس الوقت آخر ما يجرؤ على الاقتراب منه!! كان الإنسان يتقدم بذبيحته إلى مذبح النحاس ثم يعود أدراجه مبتعدا عن الخيمة لأنه لم يكن مسموحاً للشعب أن يجتاز المذبح إلى ما داخل الخيمة.

قصد الله

كان قصد الله من هذه الصورة الرمزية المتكررة في نظام الذبائح هو أن يبقى ماثلا في ذهن الشعب أن قداسة الله لا تقبل خطايا الإنسان ولا تتعايش معها، وأن من يجرؤ على الاقتراب من محضر الله يعرض نفسه للموت، وإن كان الله في رحمته سمح للإنسان أن يقدم ذبائح حيوانية بدلا عن نفسه ويشاهدها وهي تموت وتشتعل فيها النار حتى الاحتراق، فقد كان هذا ليس لأن الذبائح يمكن أن ترفع الخطية لكن لكي يبقى هذا الحق حيا في ضمير الشعب كل يوم، ألا وهي أن من يريد التمتع بمحضر الله ونعمته ينبغي أن يجتاز نار حكمه وقداسته، ولأن أحدا لم يستطع أن يجتاز هذه النار ويبقى حياً لذلك ظل طريق الأقداس مغلقاً حتى مجيء المخلص، وللحديث بقية