السبت، 9 أكتوبر 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (56)

بقلم : فخرى كرم 

«اطلبوا تجدوا» (مت7:7)

بهذه الكلمات ينقلنا الرب إلى مستوى آخر في العلاقة مع الله يختلف عن مستوى «اسألوا تُعطوا»، فالكلمة «اطلبوا» تعني السعي الدؤوب للوصول إلى غرض ما، فلا يظن أحد أن علاقتنا مع الله هي فقط أن «نسأل» منه بعض الأمور فيعطينا إياها، حياتنا تمتلئ بأمور لا يمكننا أن نسألها بل ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا للوصول إليها، ولذلك نجد أن إجابة «اسألوا» هي «تُعطوا» بينما إجابة «اطلبوا» هي «تجدوا»، أي أن هناك أمور لا يمكن لأحد أن يعطيها لنا بل ينبغي أن نسعى نحن لكي نجدها لأنفسنا.

مشكلة كبيرة في وسط شعب الرب أنهم يعتقدون أن الصلاة هي أن يقفوا ليعددوا احتياجاتهم أمام الله وينتظرون أن يضعها الله في أيديهم بشكل معجزي دون أن يبذلوا أي مجهود في سبيل ذلك، أنظر إلى معظم صلواتنا سواء الفردية أو الجماعية تجدها عبارة عن قائمة بالطلبات التي ننتظر أن يسكبها الله علينا من السماء ونحن في أماكننا لا نبرحها!! هذا تصور ساذج عن الصلاة، ولا غرابة إن كان انتظارنا يطول دون الحصول على أي شيء مما نطلبه!!

الفضائل الروحية في حياتنا مثل القداسة والمحبة والسلام.. الخ، كلها أمور لا يمكننا أن نسألها من الله وننتظر أن تتحقق في حياتنا بدون مجهود منا، لكنها تحتاج منا إلى جهاد روحي متواصل لا يفتر ولا يكل، نحتاج في كل يوم أن نقترب إلى إلهنا أكثر، ونمتلئ من روحه أكثر، ونتغذى على كلمته أكثر، ونقاوم الخطية المحيطة بنا أكثر، ونتسلح بكل وسائط النعمة المتاحة لنا أكثر!! هذه الفضائل يسميها الكتاب «ثمر الروح» (غل5: 22) وكلمة «ثمر» تؤكد هذه الحقيقة، فالفلاح لا يحصد الثمر بمجرد الدعاء بل ينبغي أن يجتهد ويتعب في زراعة بذور جيدة ويستمر يرعاها في كل يوم، ويعتني بالبراعم وهي تنمو، ويقاوم كل الآفات الضارة بالنبات، وهكذا يستمر بلا كلل حتى يأتي وقت الحصاد فيجمع «ثمراً» جيداً.

الله يريد أن يزرع في حياتنا كل القيم الروحية الثمينة لكي نكون مشابهين صورة ابنه، وروحه القدوس يتعامل معانا كل يوم لتحقيق هذا الغرض، ولكن نحن مسئولون عن التجاوب مع عمل الروح القدس وإتاحة الوقت والإمكانية ليتمم عمله فينا.

 لنفترض أن هناك مؤمن يصلي بلجاجة لأجل امتلاك القداسة في حياته ولكنه في نفس الوقت لا يعطي وقتاً كافياً للوجود في محضر الله القدوس (مت6:6) ولا يصرف وقتاً كافياً لدراسة الكلمة المقدسة لتسكن بغنى في ذهنه (كو3: 16) ولا يبذل مجهوداً كافياً للانتصار على الخطية المحيطة به بسهولة (عب12: 4) ومن الناحية الأخرى نجده يعطي ساعات طويلة يتجول بعينه وذهنه في وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلئ بروح العالم بكل شروره وأكاذيبه، ويترك الوقت يتسرب منه بسهولة وهو منشغل في علاقات افتراضية رخيصة ومزيفة، هل نتوقع أن يحصل هذا المؤمن على حياة القداسة الحقيقية مهما استمر يصلي لأجلها لسنوات؟ كلا بالتأكيد!! لأنه يظن أنه سيحصل على حياة القداسة بمجرد «السؤال» من الله بينما الحقيقة أنه لابد أن «يطلب» القداسة ويسعى باجتهاد في سبيلها.

ليت الرب يعلمنا كيف ننتقل بصلواتنا من مستوى السؤال إلى مستوى الطلب، ليته يرى في حياتنا الجدية والالتزام والاجتهاد فيكلل حياتنا بالإثمار والبركة!! وللحديث بقية (يتبع)