السبت، 1 أكتوبر 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (13)
بقلم : فخرى كرم
«ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة» (2تي3: 1)
إذا كان عاموس النبي تكلم عن «زمن ردئ» يسبق السبي البابلي فالرسول هنا يكلمنا عن «أزمنة صعبة» تسبق مجيء الرب الثاني، ولو تأملنا صفات هذه الأزمنة سنجد أنها تتحقق كلها في أيامنا الحاضرة:
فالناس اليوم أصبحوا يحبون أنفسهم بشكل فج وصريح، لا وجود لقيم مثل الإيثار أو البذل أو التضحية لأجل الآخرين، هذه القيم التي سمعنا عنها قديماً ولكنها فيما يبدو تنقرض أمام مد الأنانية الزاحف على المجتمع، ولأن الجميع يبحثون عن مصلحتهم الذاتية أصبح الجميع بالضرورة محبين للمال، لأن المال هو الوسيلة لتحقيق شهوات الناس واشباع أنانيتهم، وفي السباق المحموم نحو المال يصبح الانسان بالضرورة بلا حنو، فلا مجال لمشاعر الحنو والرفق تجاه المنافسين على لقمة العيش، بل يفقد الناس تدرجياً انسانيتهم ويصبحون شرسين وخائنين ومقتحمين، وإذا لم يحصلوا على ما يرضيهم تجدهم مجدفين يشتمون الناس والظروف التي تعاندهم ويتمردون على والديهم وعلى كل القوانين، وفي المقابل اذا استطاعوا أن يحصلوا على ما يريدون تجدهم يتعظمون على الآخرين ويستكبرون ويتصلفون معتدِّين بأنفسهم، لا يقدمون الشكر لمن ساعدهم بل ينسون الاحسان وينكرون الجميل، الانسان في كل ظروفه وأياً كانت أحواله يحب أن يفعل الشر!!
واحقاقاً للحق ينبغي أن نقول إن هذه الصفات الرديئة موجودة في الإنسان منذ وجوده على الأرض ولكن ما يميز الأيام الأخيرة هو ازدياد هذه الصفات انتشاراً ووضوحاً، في الأزمنة القديمة كانت قلة أعداد البشر بالقياس للموارد الطبيعية تقلِّص فرص الاحتكاك والتنافس، مما كان يعطي مجالاً لإظهار بعض الصفات الحسنة في البشر واخفاء بعض الصفات الرديئة، لكن مع تقدم الأيام وازدياد أعداد البشر مع بقاء الموارد الطبيعية محدودة ازدادت شراسة المنافسة مما جعل هذه الصفات الرديئة في الانسان تبرز وتزداد وضوحاً.
لكن الرسول يختم هذه الفقرة بأبشع صفة ستميز الأيام الأخيرة وتجعلها بالحق «أزمنة صعبة» ألا وهي «لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها»!! تماماً كما قال عاموس عن الزمن الرديء أن فيه تزداد الممارسات الدينية جنباً إلى جنب مع ازدياد الممارسات الشريرة هكذا الأمر في أيامنا الأخيرة تلك، يفاجئنا الرسول بقوله ان «صورة التقوى» ستغلف كل الأخلاق الرديئة التي ستظهر في البشر، سيحب الناس أنفسهم ولكنهم سيحاولون أن يجعلوا محبتهم لأنفسهم أمراً روحياً مؤيداً من الله! سيحبون المال ويقولون للناس ان مشيئة الله أن يكونوا أغنياء! سيبغضون الآخرين ويصورون هذه البغضة كأنها غيرة على الإيمان ودفاع عن الحق! سيتعظمون ويستكبرون ويتسلطون على الشعب تحت زعم أنهم مؤيدون بمواهب روحية فائقة! سيقتحمون حياة البسطاء بلا حنو وبلا نزاهة مستندين على تفسيرات باطلة للكلمة المقدسة!!!
ولئلا يعتقد أحد أن هذه الصفات الرديئة ستميز «الناس» في العالم وليس في داخل الكنائس لابد أن نقرأ رسالة الرب لملاك كنيسة لاودكية والتي تصور الكنيسة في الأيام الأخيرة، سنجد أن نفس هذا الداء منتشر في داخل الكنيسة، مع وجود كل الشقاء والبؤس والفقر والعمى والعُري نجد لسان حال ملاك الكنيسة «أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء»!! كل الانحدار الأخلاقي مع غطاء من الكبرياء الروحي الذميم!!

ما أصعب هذه الأيام الأخيرة!! ما أصعب أن تهرب من المعاناة في العالم الشرير إلى داخل الكنائس فتجد نفس المعاناة مع غطاء من التقوى المزيفة!! ليت إلهنا يرحمنا ويقصِّر تلك الأيام، وللحديث بقية (يتبع)