الاثنين، 6 مايو 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (28)
بقلم : فخرى كرم

«ليتقدس اسمك» (مت6: 9)
خلق الله الإنسان على صورته بمعنى أنه وضع فيه بعضاً من صفاته ولو بشكل جزئي ومحدود، وكان القصد الإلهي أن يكون الإنسان هو المُعلن عن اسم الله (أي صفاته) على الأرض، ولكن بالسقوط تشوهت طبيعة الإنسان وأصبح يعكس صورة غير حقيقية عن الله، وبدل أن يجتذب المجد لله أصبح يجلب التجديف على اسمه (رو2: 24) حتى جاء ملء الزمان وأتى «ابن الإنسان» الحقيقي وعاش على الأرض صورة الله غير المنظور ورسم جوهره، لقد «قدَّس» يسوع اسم الله وصفاته أمام عيوننا، حتى أنه بعد مرور ألفي عام مازالت صورة الله التي رأيناها في يسوع هي موضوع إيماننا ومصدر ثباتنا وحصن أماننا!!
 وعندما يطلب منا يسوع أن تكون طلبتنا الأولى في الصلاة هي «ليتقدس اسمك» لا يقصد أن نكرر هذه الجملة بحصر اللفظ، لكنه يقصد أن نفهم أن مهمتنا الأولى التي خُلقنا وأُفتدينا لأجلها هي أن يتقدس اسم الله في حياتنا أولاً ثم يتقدس من خلالنا في أعين الآخرين، يقصد أن نحمل مسئولية اكمال العمل الذي بدأه هو على الأرض، أن يظل اسم الآب ممجداً في حياتنا كما تمجد في حياة يسوع.
«ليتقدس اسمك» تعني أن نخصص وقتاً في صلاتنا اليومية لنتضرع أمام الله لكي يغرس في أعماقنا صفات الله التي تجسدت في حياة يسوع، نحن لا يمكننا أن نقدِّس اسم الله في عيون الأخرين إلا إذا كان هذا الاسم مُقدساً في حياتنا نحن أولاً، هل أعماقنا تدرك قداسة الله وتخافه وتخضع له؟! هل حقاً نحن نستند على قدرته ونرتمي على محبته ونختبئ في صلاحه؟! قبل أن نستطيع تقديس اسم الله في سلوكنا الخارجي يوصينا الرسول بطرس قائلاً «قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم» (1بط3: 15)
«ليتقدس اسمك» تعني أن نصرف وقتاً كافياً أمام الروح القدس ليفحص حياتنا ويمتحن سلوكنا، هل تصرفاتنا تنقل للمتعاملين معنا صورة الله المجيدة الموجودة في أعماقنا؟! هل مَنْ يسمع أقوالنا ويرى أفعالنا يسبِّح إلهنا ويمجده؟! وإذا أشار الروح القدس على نقص في سلوكنا أو خلل في تصرفاتنا فلابد أن نعطي وقتاً كافياً للاعتراف بالخطأ والتوبة عنه، ولطلب النعمة والمعونة لكي نقوِّم سلوكنا لمجد الله.
«ليتقدس اسمك» تعني أن نصلي ليقودنا الله بالروح القدس لتمييز مشيئته في حياتنا وتتميمها، فالطريق الوحيد ليتمجد الله في حياتنا هو أن نكمل عمله الذي كلفنا به، ولذلك قرن ربنا في صلاته الشفاعية بين مجد الآب وتكميل مشيئته «أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4) لذلك لابد أن تحتوي صلاتنا على طلب الامتلاء بالروح القدس ومواهبه لكي نستطيع أن نقدس اسم الله في حياتنا.
«ليتقدس اسمك» تعني أن نصرف وقتاً كافياً لنتشفع لأجل كل قصور أو خلل نراه وسط الكنيسة، فلكي يتقدس اسم الله ينبغي أن تكون الكنيسة كلها في حالة لائقة تعكس صلاح الله وقداسته، وما نطلبه لأنفسنا ينبغي أن نطلبه لإخوتنا في جسد المسيح، فليس قصد الرب أن يتمجد في حياتنا كأفراد فقط بل بالأحرى كرعايا ملكوت واحد هو ملكوت السماوات، وللحديث بقية (يتبع)