الصليب وحده يكفي
بقلم : فخرى كرم
«لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً»(1كو2:2)
«أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً»(غل3: 1)
قرَّر الرسول بولس
ألا يعرف بين أهل كورنثوس إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً، وهذا يعني أن صليب
المسيح يحمل الرسالة المسيحية كاملة، وأن مشهد الصليب يقدم إنجيلاً كاملاً يصلح أن
يكون أساساً راسخاً لبناء كنيسة قوية، ولذلك أيضاً نرى الرسول في موضع آخر يهتم
بأن يرسم أمام عيون أهل غلاطية مشهد يسوع المسيح مصلوباً، لأن الصليب وحده يكفي لخلق
حياة مسيحية كاملة في حياتنا.
فالصليب يقدم للإنسان الخاطئ أساساً ثابتاً لرفض
الخطية والتوبة عنها، فصورة يسوع المُفسَدة على الصليب تقدم برهاناً على بشاعة
الخطية ومدى رفض الله لها، عذابات ربنا على الصليب تشرح بوضوح أن الخطية خاطئة
جداً وأن أجرتها مُرة للغاية، فمن لا يستطيع أن يرى بشاعة الخطية ويتوب عنها أمام
الصليب لن يستطيع أن يرفضها ويتوب عنها في أي مكان آخر!!
والصليب يقدم
للإنسان التائب محبة إلهية غافرة لا تعرف الحدود، فالله بيَّن محبته لنا إذ ونحن
بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فإلى هذا المدى أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد
لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، وأين سنجد محبة أعظم من هذه
أن يضع أحد نفسه عن أحبائه؟!! إن كل من لا يقبل محبة الله الظاهرة في الصليب ويذوب
أمامها لن يستطيع أن يقبلها في أي موضع آخر!!
والصليب يقدم
للمؤمن الحديث طريقاً للانتصار على الخطية الساكنة فيه، إذ أنه يرى في موت ربنا
على الصليب موتاً لإنسانه العتيق، فيبدأ طريقاً متجدداً في كل يوم لصلب الجسد مع
الأهواء والشهوات، وكلما نظر إلى الصليب يرى قضاء الله على كل ما يصدر من الطبيعة
القديمة فيتعلم أن يرفضه ويستبدله بعمل الطبيعة الجديدة فيه، إن المؤمن الذي لا
يتعلم في مدرسة الصليب كيف يُميت إنسانه العتيق لن يتعلم هذا الدرس في أي مدرسة أخرى!!
وعندما يتقدم
المؤمن في حياة التقوى والنصرة على العدو الداخلي أي الجسد حينئذ يبدأ يشعر
بمحاربة العدو الخارجي أي إبليس، وعندئذ سيجد في الصليب أساس النصرة على كل محاربات
العدو، فالرب قد جرَّد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب،
فالتبرير الذي صنعه لنا الرب بدمه قد جرَّد إبليس من كل سلطان على حياتنا وأفقده حُجته
في الشكاية علينا أمام الآب، وإذا لم يستطع المؤمن أن يستتر في دم الصليب من شكاية
العدو ومحاربته فلن يستطيع أن يستتر منها في أي ستر آخر!!
وماذا نقول
أيضاً؟! فالصليب هو الذي يقف بيننا وبين العالم الحاضر الشرير، إنه يصلب العالم
لنا ويصلبنا نحن للعالم، والصليب هو منهاج الحياة اليومي عندما نحمله كل يوم ونتبع
الحبيب، إن صليب ربنا يعطينا نموذجاً لحياة الطاعة اليومية لمشيئة الله، فالصليب
كان المدى الذي امتدت إليه طاعة الابن عندما أخذ صورة عبد وأطاع حتى الموت موت
الصليب، إن الصليب ليس مجرد تاريخ أو فكرة أو حتى عقيدة بل هو أسلوب حياة ومنهاج
يومي يمتد بطول العمر، إن مَن يعرف يسوع المسيح وإياه مصلوباً ويُرسم أمام ناظريه
الصليب في كل أيام حياته سيعرف بالتأكيد كيف يعيش حياة مسيحية غالبة ومنتصرة، لأن
الصليب وحده يكفي!!