الاثنين، 2 أبريل 2012


الصليب وحده يكفي
بقلم : فخرى كرم
«لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً»(1كو2:2)
«أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً»(غل3: 1)
قرَّر الرسول بولس ألا يعرف بين أهل كورنثوس إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً، وهذا يعني أن صليب المسيح يحمل الرسالة المسيحية كاملة، وأن مشهد الصليب يقدم إنجيلاً كاملاً يصلح أن يكون أساساً راسخاً لبناء كنيسة قوية، ولذلك أيضاً نرى الرسول في موضع آخر يهتم بأن يرسم أمام عيون أهل غلاطية مشهد يسوع المسيح مصلوباً، لأن الصليب وحده يكفي لخلق حياة مسيحية كاملة في حياتنا.
  فالصليب يقدم للإنسان الخاطئ أساساً ثابتاً لرفض الخطية والتوبة عنها، فصورة يسوع المُفسَدة على الصليب تقدم برهاناً على بشاعة الخطية ومدى رفض الله لها، عذابات ربنا على الصليب تشرح بوضوح أن الخطية خاطئة جداً وأن أجرتها مُرة للغاية، فمن لا يستطيع أن يرى بشاعة الخطية ويتوب عنها أمام الصليب لن يستطيع أن يرفضها ويتوب عنها في أي مكان آخر!!
والصليب يقدم للإنسان التائب محبة إلهية غافرة لا تعرف الحدود، فالله بيَّن محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فإلى هذا المدى أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، وأين سنجد محبة أعظم من هذه أن يضع أحد نفسه عن أحبائه؟!! إن كل من لا يقبل محبة الله الظاهرة في الصليب ويذوب أمامها لن يستطيع أن يقبلها في أي موضع آخر!!
والصليب يقدم للمؤمن الحديث طريقاً للانتصار على الخطية الساكنة فيه، إذ أنه يرى في موت ربنا على الصليب موتاً لإنسانه العتيق، فيبدأ طريقاً متجدداً في كل يوم لصلب الجسد مع الأهواء والشهوات، وكلما نظر إلى الصليب يرى قضاء الله على كل ما يصدر من الطبيعة القديمة فيتعلم أن يرفضه ويستبدله بعمل الطبيعة الجديدة فيه، إن المؤمن الذي لا يتعلم في مدرسة الصليب كيف يُميت إنسانه العتيق لن يتعلم هذا الدرس في أي مدرسة أخرى!!   
وعندما يتقدم المؤمن في حياة التقوى والنصرة على العدو الداخلي أي الجسد حينئذ يبدأ يشعر بمحاربة العدو الخارجي أي إبليس، وعندئذ سيجد في الصليب أساس النصرة على كل محاربات العدو، فالرب قد جرَّد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب، فالتبرير الذي صنعه لنا الرب بدمه قد جرَّد إبليس من كل سلطان على حياتنا وأفقده حُجته في الشكاية علينا أمام الآب، وإذا لم يستطع المؤمن أن يستتر في دم الصليب من شكاية العدو ومحاربته فلن يستطيع أن يستتر منها في أي ستر آخر!!
وماذا نقول أيضاً؟! فالصليب هو الذي يقف بيننا وبين العالم الحاضر الشرير، إنه يصلب العالم لنا ويصلبنا نحن للعالم، والصليب هو منهاج الحياة اليومي عندما نحمله كل يوم ونتبع الحبيب، إن صليب ربنا يعطينا نموذجاً لحياة الطاعة اليومية لمشيئة الله، فالصليب كان المدى الذي امتدت إليه طاعة الابن عندما أخذ صورة عبد وأطاع حتى الموت موت الصليب، إن الصليب ليس مجرد تاريخ أو فكرة أو حتى عقيدة بل هو أسلوب حياة ومنهاج يومي يمتد بطول العمر، إن مَن يعرف يسوع المسيح وإياه مصلوباً ويُرسم أمام ناظريه الصليب في كل أيام حياته سيعرف بالتأكيد كيف يعيش حياة مسيحية غالبة ومنتصرة، لأن الصليب وحده يكفي!!

الموت مع المسيح (1)
بقلم/ واتشمان ني
نُشرت في 10 يونيو 1925
«مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ»(غل 2: 20)
«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية»(رو6: 6)
عندما مات ربنا يسوع المسيح على الصليب لم يمت فقط «لأجل الخطاة» بل أيضاً «مع الخطاة»!! لقد مات «لأجل الخطاة» لكي يكرِّس لهم طريقاً حياً للقدوم إلى الله وامتلاك الحياة الأبدية، ولكنه أيضاً مات «مع الخطاة» لكي يحرِّرهم من سلطان الخطية في حياتهم اليومية.
لو كانت فاعلية الصليب في مجال الفداء فقط حتى ينال الخطاة الحياة الأبدية والنجاة من الهلاك الأبدي لكان طريق الله للخلاص ليس كاملاً!! لأن الإنسان عندما يؤمن بالرب يسوع المسيح وينال الخلاص الأبدي يظل يعيش في هذا العالم حيث الكثير من التجارب، وحيث مازال الشيطان يقاومه ويحاربه، وحيث الطبيعة العتيقة الساكنة فيه تعمل طوال الوقت، رغم أنه أخذ الخلاص الأبدي إلا أنه يحتاج لأن يتحرَّر كل يوم من سلطان الخطية على حياته اليومية، يحتاج للقوة الروحية لينتصر على الخطية الساكنة فيه.
لذلك كان ينبغي للرب يسوع أن يُكمل في صليبه خلاصنا بجانبيه: الجانب الأول هو أن يموت «لأجلنا» لكي يفدينا من عقوبة الخطية، والجانب الثاني أن يموت «معنا» أي متحداً بطبيعتنا الخاطئة لكي يحررنا من سلطان الخطية!! ولقد أكمل ربنا المبارك هذا العمل المزدوج على الصليب فأنقذنا من عقوبة الخطية التي هي النار الأبدية في جهنم، وأيضاً أعتقنا من ناموس الخطية والموت لكي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية.
 إن الخطية لا تأتي إلينا من الخارج بل من الداخل، لو كانت الخطية تهاجمنا من الخارج ما كان لها كل هذا السلطان علينا، لكن المشكلة أن الخطية ساكنة فينا ولذلك تمتلك سلطاناً قاسياً علينا. التجربة تأتي من الخارج لكن الخطية تسكن في الداخل، ولأن كل إنسان في العالم هو من نسل آدم لذلك فجميع البشر يمتلكون طبيعة آدم، هذه الطبيعة قديمة وفاسدة ونجسة، وهذه الطبيعة هي «أم الخطايا» في الإنسان!!
عندما تهاجمنا التجارب من الخارج تتجاوب معها هذه الطبيعة العتيقة داخلنا وتكون النتيجة هي الخطايا الكثيرة التي نعملها، ولنأخذ لهذا مثلاً: إننا نمتلك الكثير من الكبرياء والاعتداد بالذات في داخلنا حتى وإن نجحنا في إخفائه أحياناً كثيرة، لكن عندما تأتينا الفرصة من الخارج في محك عملي تظهر فجأة كبرياؤنا وتعلن عن وجودها، إن الكبرياء لم تهاجمنا فجأة في لحظة التجربة بل كانت موجودة بداخلنا كل الوقت، إنها فقط أعلنت عن وجودها وخرجت من مكمنها عندما تجاوبت مع التجربة الآتية من الخارج.
إننا غيورون بطبعنا، نحب أنفسنا جداً ولا نريد أن نرى أحداً أفضل منا، هذه هي الطبيعة العتيقة الساكنة فينا، قد لا نُظهرها في تعاملاتنا وننجح طويلاً في إخفائها، ولكن عندما تهاجمنا التجربة فجأة من خلال الظروف الخارجية تظهر الغيرة بكل انفعالاتها وعنفها، إن الغيرة لم تهاجمنا في هذه اللحظة بالذات لكنها كانت كامنة بداخلنا كل الوقت، ولها سلطان على حياتنا كل الوقت، وكل ما فعلته الظروف الخارجية أنها أتاحت لها الفرصة للظهور. (يتبع)