السبت، 6 نوفمبر 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (57)

بقلم : فخرى كرم 

«اقرعوا يُفتح لكم» (مت7: 7)

بعدما تحدث ربنا عن مستوى «السؤال» ومستوى «الطلب» نجده يتحدث عن المستوى الثالث في العلاقة مع الله ألا وهو «اقرعوا يُفتح لكم». وهنا لابد أن نسأل: على أي باب نقرع؟ هل نقرع على باب الله لكي يفتح لنا؟ حاشا! فالرب يكلمنا باعتبارنا أبناء الآب السماوي، أي أننا داخل البيت وليس خارجه، بل أننا بيته الروحي وهيكل حضوره على الأرض، الله بنفسه يسكن بداخلنا ولا يوجد بيننا وبينه أبواباً مغلقة. إذاً القرع هنا لا يمكن أن يكون على باب الله، وهذا يدفعنا للسؤال مرة أخرى: على أي باب نحن نقرع؟

ولكي نجيب على هذ السؤال لابد أن نسترشد بربنا نفسه وهو يقول «هنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه» (رؤ3: 20) على أي باب يقرع ربنا هنا؟ انه يقرع على الباب الروحي المغلق على النفس الإنسانية لعلها تستفيق من ضلالها وتفتح له، وهذا يقودنا لسؤال جديد: هل الكتاب المقدس يعلمنا أن هناك أبواب روحية مغلقة بين الله والنفس الإنسانية؟! والإجابة بكل تأكيد هي: نعم!! يقول الرسول «الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة انجيل مجد المسيح» (2كو4: 4) إبليس يستخدم قواته الروحية الشريرة لكي يغلق على أذهان وأرواح الناس حتى لا تصل إليهم كلمة الله ولا يفهموها ولا يسلكوا في طريق الخلاص.

ولقد أشار ربنا إلى هذه الأبواب عندما قال «على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت16: 18) من البديهي أن الرب لم يقصد أن أبواب الجحيم ستهاجم الكنيسة ولن تقوى عليها لأننا نعلم أن الأبواب لا تهاجم أحداً، لكن الرب قصد أن الكنيسة ستهاجم أبواب الجحيم وستقرع عليها لكي تنفتح وتتحرر النفوس المأسورة بالداخل، ووعد الرب لنا أن أبواب الجحيم لن تقوى أمام هجوم الكنيسة وستنفتح وتتحرر النفوس المسجونة بداخلها بقوة عمل الإنجيل.

ولعل أفضل تجسيد لهذه الأبواب الجهنمية ما نقرأه في سفر دانيال عن الرؤساء الروحيين الأشرار الذين يغلقون الأجواء الروحية فوق العالم لكي لا تصل كلمة الله إلى الناس (دا10: 13) حتى أنهم استطاعوا أن يؤجلوا وصول كلمة الله إلى دانيال لمدة ثلاثة أسابيع كاملة!! هناك قوات شيطانية كثيفة تعمل ليلاً ونهاراً لكي تظل كلمة الله بعيدة عن أذهان الناس وأرواحهم، وإبليس يستخدم في هذا كل الأكاذيب والأفكار الشريرة والتعاليم المضللة..، وأن نقرع على هذه الأبواب المغلقة يعني أن نخوض في صلواتنا وخدماتنا حرباً روحية على كل الأفكار والظنون التي ترتفع ضد معرفة الله، ونستأسر كل فكر إلى طاعة المسيح (2كو10: 5)

عندما كان ربنا على الأرض كان يجول يقرع على هذه الأبواب، بتعاليمه التي أنارت الأذهان ولمساته الحانية والشافية انفتحت أبواب الجحيم وانطلقت النفوس متحررة من سلطان إبليس (أع10: 38) وها هو يشرفنا بأن يدعونا لكي نقرع معه، ولنا الوعد أن أبواب الجحيم لن تقوى أمامنا وستنفتح لنا وسنختطف من النار نفوساً تعرف الله وتخلص (يه23)

الرب في هذا المستوى من الصلاة ينقلنا من الانحصار في احتياجاتنا وظروفنا الضيقة ويفتح أمامنا مجالاً أرحب وهو الاهتمام بالنفوس المأسورة المحيطة بنا، من خلال صلواتنا وخدماتنا المُقادة بالروح القدس نستطيع أن نفتح أبواباً كثيرة مغلقة ونحرر نفوساً كثيرة محرومة من النور والحرية، وللحديث بقية (يتبع)