الجمعة، 3 نوفمبر 2017

أحاديث من القلب

موعظة الجبل (10)
بقلم : فخرى كرم
«طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون» (مت5: 9)
إن الرب يسوع هو نموذجنا الكامل في صنع السلام، ولكي نفهم معنى صنع السلام لابد أن نقرأ كلمات الرسول «لأنه هو سلامنا الذي جعل الإثنين (اليهودي والأممي) واحداً ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة، مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الإثنين في نفسه انساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً، ويصالح الإثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به» (أف 2: 14-16)
 لقد كانت هناك عداوة شديدة بين اليهودي والأممي بسبب ناموس الوصايا والفرائض، اليهودي كان يشعر بالتميُّز والتفوُّق على الأممي لأنه يمتلك الناموس ويريد أن يتبرر به، لكن عندما أبطل ربنا بذبيحته ناموس الوصايا والفرائض جمع اليهودي والأممي ليكونوا واحداً في شخصه، وهكذا صنع سلاماً ونقض حاجز العداوة القائم بينهما. وبنفس ذبيحته قتل يسوع العداوة التي كانت قائمة بين الإنسان (اليهودي والأممي) وبين الله، عندما جمع ربنا جميع البشر في نفسه انساناً واحداً وقدم عنهم ذبيحة مقبولة أمام الله، وهكذا انتهت العداوة القائمة بين الله وبين الكيان الخاطئ لكل إنسان يستتر في ذبيحة المسيح، سواء كان يهودي أو أممي.
نفهم من هذا النموذج الكامل أن صناعة السلام هي خلق حالة من التوافق بين الأطراف المتخاصمة ونقض جدران العداوة الفاصلة بين الأطراف المتباعدة، كما جمعنا الرب وصالحنا في شخصه رغم اختلافاتنا الكثيرة هكذا يريدنا أن نتمثل به ونسعى في حياتنا لجمع الأطراف المختلفة معاً صانعين بينهم سلاماً، وكما بذل الرب دمه ليصنع سلامنا هكذا نحن قد ندفع ثمناً غالياً لنصنع السلام ولكننا بهذا نبرهن عملياً أننا أبناء الله ولسنا أبناء إبليس، لأن منهج ابليس الذي يزرعه في هذا العالم يختلف جذرياً عن منهج صناعة السلام.
 ان منهج إبليس هو خلق الخصومة والعداوة بين الأطراف المتصالحة، انه النموذج الكامل لكل «زارع خصومات بين اخوة» (أم 6: 19) أنه الأب الروحي لكل خصام وبغضة وعداوة وقتل (يو8: 44) انه يسعى لبناء جدار عازل بين كل اثنين متجاورين ويحاول أن يخلق خصومة بين كل متحابين!! يسعى دائماً لتحويل الاختلاف إلى خلاف وتحويل الخلاف إلى خصومة وتحويل الخصومة إلى عداوة وتحويل العداوة إلى قتل!! انه يقتدر في تأجيج أعظم النار من مستصغر الشرر ويعرف كيف يفتح كل السبل أمام الكراهية كي تنتشر وتسود، إن ابليس يتبع منهج «فرَّق تسد»!! ان سبيله للسيطرة على العالم هو اضعاف الإنسان وتدمير قوته من خلال العداوة المزروعة بين الجميع.
 ان نظرة واحدة للأحداث الجارية حولنا تثبت لنا أن منهج إبليس ومملكته هو السائد اليوم في العالم عموماً وفي مجتمعنا خصوصاً، نستطيع أن نرى بوضوح انتشار الخصومات والبغضة بين البشر في كل مكان، جدران العزلة والتجنب ترتفع في كل بيت بين أفراد الأسرة الواحدة، سياج البغضة والإقصاء يتعاظم في كل يوم بين أفراد المجتمع الواحد، تستطيع أن ترى ذلك بوضوح في الوجوه الشاحبة والعيون الدامعة والدماء الصارخة من الأرض من دم هابيل وحتى يومنا هذا!!
 الأمل الوحيد لمجتمعنا المتألم هو في أبناء ملكوت الله الذين يتبعون منهج يسوع في صناعة السلام، الذين يسعون في حياتهم لهدم الحواجز ومسح الدموع وزرع المحبة، قد يدفعون ثمناً باهظاً لصناعة هذا السلام لكن طوبى لهم لأنهم أبناء الله يُدعون!! وللحديث بقية (يتبع)