الجمعة، 29 سبتمبر 2023

أحاديث من القلب


سبعة أرواح الله (50)

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن مسحة الروح لربنا يسوع الملك والكاهن والنبي كانت مسحة كاملة وأبدية، وهي أيضا مسحة فائضة تنزل من الرأس إلى كل أعضاء جسده ، حيث صرنا شركاء للرب في هذه المسحة حتى أن الكتاب يدعونا ملوكاً وكهنة وأنبياء، واليوم نقول إن اشتراكنا في هذه المسحة ليس من قبيل الامتياز بقدر ما هو مسئولية جسيمة.

الرأس يعمل بواسطة الجسد

إن روح المسحة الذي فاض على شخص ربنا وملأه إلى كل ملء الله يتحرك اليوم في الكنيسة ليعطي لأفرادها أن يشاركوا في ذات المسحة، وذلك تأكيدا لحقيقة في غاية الأهمية وهي أن عمل مسحة ربنا يتم اليوم في العالم من خلال جسده الذي هو الكنيسة، فالرسول يقول عن الكنيسة إنها ملء - كمال أو تتميم - الذي يملأ الكل في الكل (أف 1 : 23 ) أي أن الكنيسة هي أذرع الرب وأرجله وعيونه التي تجول في هذا العالم، أن مسحة الرب الكاملة ووظائفه السامية تؤثر في العالم الحاضر من خلال المؤمنين الذين يحمل كل منهم جزء من هذه المسحة، وبدون عمل الكنيسة في إظهار وإعلان هذه المسحة تظل كمالات الرب هذه خافية عن العيون بعيدة عن متناول العالم الهالك المحتاج بشدة إلى ملك الرب وكهنوته وتعليمه، إننا نؤكد ونكرر أن المؤمنين لا ينالون مسحات جديدة خاصة بهم بعيدا عن مسحة ربنا له المجد، لكنهم فقط يشاركون في إظهار مسحة الرب الكاملة للعالم الحاضر.

كيف نشارك في مسحة الملكوت ؟

ملك الرب في هذا الزمان الحاضر هو ملك روحي على قلوب المؤمنين، أما ملكه في الزمان الآتي فهو ملك روحي ومادي على كل الأرض، والمؤمنون يشاركون الرب ملكه سواء الروحي حالياً أو المادي مستقبلا (لو 19 : 17 ، رؤ 5 : 10 ) إننا نشارك في ملك الرب عندما نقدمه إلى النفوس رباً ومخلصاً، وبمساعدة هذه النفوس لكي تنخرط تحت ملكه الروحي، ونهيىء لها المعونة والظروف المواتية لكي تلتصق بهذا الرأس الملك وتخضع له.

مع كل نفس تأتي بها إلى ملكوت الله نحن نؤيد ملكوت ربنا ونثبته في هذه الأرض، لقد كان الروح في الأيام الأولى يضم إلى الكنيسة في كل يوم الذين يخلصون، وهذا العمل كان يتم من خلال خدمة التلاميذ والرسل في وسط العالم، أن الروح لا يضم الناس إلى الرب بدون عمل المؤمنين، إذ كيف يسمعون بلا كارز ؟!

هناك من يضم النفوس إلى نفسه ويضعهم تحت سلطانه، وهناك من يضم الناس إلى كنيسته ليزيد عددها وتفتخر على باقي الكنائس !! لكن المؤمن الممسوح بمسحة الملكوت يسعى ليضم النفوس إلى الرب فقط، ويعمل على أن يكون للرب السلطان الكامل على هذه النفوس دون أن يطلب لنفسه ولو قدراً ضئيلاً من طاعة هذه النفوس وخضوعها.

وكيف نشارك في الكهنوت ؟

لقد فتح رئيس كهنتنا العظيم الطريق إلى الأقداس بدم نفسه فوجد لنا فداءً أبدياً، لكن هذا الفداء الأبدي في حاجة لمن ينقله إلى الناس، العالم البائس يرزح تحت خطاياه دون أن يعلم أن له فداءً أبدياً، من يأخذ بأيدي الناس ويدخل بهم إلى ما وراء الحجاب المشقوق ليجدوا هم أيضا رحمة ونعمة عونا في حينه؟ إن الكنيسة ينبغي أن ترفع صلوات لأجل العالم حتى يعرف الله، ينبغي أن تقف أمام الله لأجل الإنسان وتقف أمام الإنسان لأجل الله حتى يلتقيا.

وهنا نقول إن الكنيسة لا تشفع في الناس على أساس بر فيها ، كلا، بل هي تشفع على أساس شفاعة الرب الكاملة وعمله الكامل الذي عمله على الصليب، إن شفاعة الكنيسة هي على أساس ذبيحة المسيح الكاملة المقدمة أمام الله مرة وإلى الأبد، إن الكنيسة ليس لها مسحة كهنوت خاصة بها بل هي فقط تعلن كهنوت المسيح وتظهره للناس ليظل معلن في كل الأجيال ويلمسه كل إنسان.

طلب الرسول من المؤمنين أن يصلوا دائما لأجل كل إنسان وكل شيء في كل وقت، وهو نفسه كان يحني ركبتيه دائما بصلوات وتضرعات لأجل كل المؤمنين. إن لنا بابا مفتوحاً لا يستطيع أحد أن يغلقه ولنا فداءً أبدياً وجده لنا ربنا المعبود، وإذا لم ندخل في كل حين إلى ما وراء الحجاب لأجل أنفسنا ولأجل الآخرين فإننا نكون مجرمين في حق أنفسنا وحق الآخرين (يتبع).

 

الاثنين، 18 سبتمبر 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (49)

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن الروح القدس هو روح «المسحة» أي أنه المسئول عن تكريس وتقديس وفرز الإنسان لأداء مهام محددة، ولقد رأينا هذه المسحة تتم بشكل رمزي وجزئي في العهد القديم من خلال مسحة الزيت المقدس للملوك والكهنة والأنبياء، ورأينا أيضا كيف أن كل هذه المسحات قد اجتمعت واكتملت في شخص واحد هو شخص ربنا يسوع المسيح، حيث حل الروح القدس عليه بكل ملئه جاعلا إياه «المسيح» المعيّن من الله ملكاً وكاهناً ونبياً إلى الأبد ، وهذه المسحة أبدية أي أنها لن تتكرر مع أي إنسان آخر، لأن ربنا المعبود ملأ ويملأ وسيملأ هذه المراكز بشكل كامل لا يحتاج إلى إضافة، قد يشهد العالم « مسحاء» كثيرين لكنهم مسحاء كذبة (مت 24 : 24 ). والآن وقد رأينا هذه المسحة في العهد القديم ورأيناها في حياة ربنا له المجد ، ماذا عنا نحن؟ ما علاقتنا نحن في العهد الجديد بروح المسحة المبارك؟ وهنا نقول: وإن كانت مسحة الروح لربنا لن تتكرر مرة أخرى مع أي إنسان آخر إلا أن أصغر مؤمن في كنيسة المسيح له نصيب في هذه المسحة، إن المؤمن لا يمسح من الروح مسحة جديدة لأن كل المسحات اكتملت في شخص ربنا المعبود، ولكنه ينال نصيبا من مسحة ربنا نفسه، لأن مسحة الروح ليسوع كانت أيضا:

مسحة فائضة

         « هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا، مثل الدهن (المسحة) الطيب على الرأس، النازل على اللحية، لحية هرون ، النازل إلى طرف ثيابه» (مز ۱۳۳ : 1 ، 2 ).

عندما يجتمع الإخوة معا ينالون بركة ومسحة الروح، لكن هذه المسحة ليست خاصة ومستقلة لكل واحد منهم بل هي ذاتها المسحة التي انسكبت على «الرأس » بفيض حتى أنها انسابت إلى اللحية ثم إلى كل أطراف ثيابه، ومن هو «الرأس » العظيم الذى انسكبت عليه المسحة بهذا الفيض ؟ من هو رئيس الكهنة الحقيقي الذي كان هرون مجرد رمز له؟ إنه ربنا يسوع المسيح.

إن كل عضو في جسد المسيح له حق التمتع بذات المسحة التي انسكبت بفيض على شخص ربنا ، إن لنا نصيبا في كل مسحات الروح التي تكلمنا عنها، لكن هذا النصيب لا نناله إلا من

خلال شركتنا والتصاقنا بالرأس، وكلما اقتربنا من الرأس كلما كان نصيبنا من هذه المسحات أكبر !! إننا لا نستطيع أن نأخذ مسحات من الروح بالاستقلال عن يسوع لأن الروح قد أعطى كل ملئه ليسوع ونحن نستطيع فقط أن نكون مملوئين «فيه» ( كو 2 : 9 ، 10 ) إنه وحده المملوء نعمة وحقا ونحن لنا الحق أن نأخذ «من ملئه » نعمة فوق نعمة (يو 1 : 14 ، 16 )

 يؤكد الكتاب هذه الحقيقة العجيبة وهي أن كل المسحات التي أخذها رب المجد يسوع قد أعطانا الحق في التمتع بها ، أي أننا يمكن أن نكون:

ملوكاً وكهنة !!

يؤكد لنا الرسول بطرس أننا «كهنوت ملوکی» (۱بط 2 : 9 ) أي أننا نتمتع بمسحة الكهنوت والملك في وقت واحد، ونحن نعلم أن الجمع بين هاتين المسحتين لم يكن ممكنا في العهد القديم ولم يجتمعا إلا في شخص ربنا يسوع، أي أن مسحتنا هي من ذات طبيعة مسحة ربنا المعبود !!

ويوحنا في مقدمة سفر الرؤيا يخاطب المؤمنين البسطاء الموجودين في السبع كنائس التي في آسيا قائلا عن شخص ربنا يسوع المسيح: « الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه» (رؤ1 : 5 ، 6 ) وفي نفس السفر نسمع الكنيسة المنتصرة وهي تنشد « وجعلتنا لإلهنا ملوكة وكهنة فسنملك على الأرض » ( رؤ 5 : 10 ) .

.. وأنبياء أيضأ !!

يقول الرسول بولس عن شخص ربنا الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل، وهو أعطى البعض أن يكونوا ... أنبياء» (أف 4 : 10 ، 11 ) هذه الكلمات تؤكد ما قلناه وهو أن الرب يسوع هو الذي يملأ الكل بمسحته الفائضة وأنه لا توجد مسحات جديدة، والرسول يحث كل المؤمنين أن ينالوا نصيبا من هذه المسحات المباركة التي في شخص المسيح وبالذات مسحة النبوة (1كو 14 : 1 )، وللحديث بقية.

 

الأحد، 10 سبتمبر 2023

احاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (48)

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن النبي هو الشخص الذي يقترب من الله ليعرف فكره الخاص بشعبه في وقت محدد من التاريخ، ثم يقترب من الشعب لينقل إليهم هذا الفكر وقد يستطيع أن يقودهم أيضا لتحقيق هذا الفكر، ولقد ظل موسى هو النموذج الكامل للنبي في عيون بني إسرائيل والقمة التي لم يدنو منها أى نبي آخر في تاريخهم، حتى جاء يسوع إلى العالم، وكما مسحه الله بمسحة الملك والكهنوت نراه أيضا يمسحه

مسحة النبوة

          « روح السيد الرب على لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسرى القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالاطلاق، لأنادي بسنة مقبولة للرب (إش 61 : 1 ، 2 ) . في بداية خدمة الرب العلانية نراه في مجمع الناصرة يقرأ هذه الآيات ويؤكد أنها قد تمت في شخصه، إنه هو النبي الذي مسح لكي ينقل فكر الله هذا إلى الشعب، ويا له من فكر جميل!! لقد كان فكر الله تجاه شعبه هو فكر الشفاء والعتق والقبول في وقت كان الشعب في حضيض الضعف والهوان والموت!! كان يسوع هو المسئول عن نقل هذا الفكر إلى الشعب ليس فقط بكلامه بل أيضأ بحياته التي جال فيها يصنع خيرأ ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس.

من هذه الزاوية كان الرب «مثل» موسى، الذي أيضا جاء إلى الشعب في وقت كانوا في حضيض العبودية والذل والهوان لينقل لهم فكر الحرية والعتق والاستقلال، واستطاع بكلماته وبحياته أن ينقلهم من كونهم عبيداً في أمة غريبة إلى شعب له أرض ووطن، كل من موسى و يسوع كانت خدمته فاصلة في تاريخ شعب إسرائيل، كل منهما نقل الشعب من وضع إلى وضع آخر، كل منهما أنهى كياناً قديما وأنشأ كياناً لم يكن موجوداً من قبل، كل منهما نقل للشعب أقوالاً إلهية حاسمة ظلت منهجاً للسلوك عبر الأجيال، كل منهما قدم إعلاناً عن الله لم يكن معروفاً من قبل، كل هذا جعل الروح القدس يشير إلى نبـــوة موســى فـي (تث 18 : 15 )  ويؤكد أنها قد تمت في شخص الرب له كل المجد (أع 3 : 22 ، 7 : 37 ) أي أن يسوع هو النبي الذي جاء إلى الشعب «مثل» موسى !!

ولكن ... !!

 هنا لابد أن نقف ونستدرك ونقول إن وجه الشبه بين موسى و يسوع محصور فقط في كون خدمتهما كانت حاسمة وفاصلة في تاريخ الشعب، لكن لا يظن أحد أننا نقصد أن مضمون خدمتهما كان متشابهاً، حاشا !! فالفرق شاسع جدا بين مضمون خدمة موسى ومضمون خدمة يسوع، بل أننا نقول إن كل ما فعله موسى في وسط الشعب لم يكن إلا ظلا باهتاً لما كان يسوع مزمع أن يفعله للشعب.

أخرج موسى الشعب من تحت عبودية فرعون أما الرب فقد أتى لكي يحررنا من عبودية الخطية، وما أبعد الفرق بين العبودية الخارجية لإنسان والعبودية الداخلية للشيطان !! فتح موسى البحر أمام الشعب أما الرب فقد فتح لنا طريقاً في السماويات إلى الأقداس عينها، أطعم موسى الشعب بالمن أما الرب فقد أعطانا الخبز الحي الواهب الحياة ، وهذا الخبز لم يكن سوى حياته نفسها، لقد أعطانا جسده مأكل حق ودمه مشرب حق، وما أبعد الفرق بين من يعطى خبزاً ومن يعطي حياته!! بشفاعة موسى هزم الشعب أعداءه وبشفاعة الرب صار لنا السلطان أن ندوس حيات وعقارب وكل قوة العدو، لقد أشهر أمامنا ليس أجناداً بشرية بل كل الأجناد الروحية في السماويات ظافراً بهم في الصليب، أتى موسى بالناموس للشعب وبالناموس صار حكم الموت على الجميع إذ أخطأ الجميع، أما يسوع فقد أتي لنا بالنعمة والحق، النعمة التي تستطيع أن تغفر للإنسان خطاياه وتعطيه القدرة ليعيش بحسب الحق، رفع موسى حية نحاسية لكي يشفي الشعب من آلام المرض أما الرب فقد رفع بنفسه على الصليب لكي يمنحنا حياة أبدية، بنى موسى للشعب خيمة الاجتماع التي هي ظل للأقداس السماوية أما يسوع فقد شق أمامنا الحجاب لكي ندخل معه إلى الأقداس عينها ... وماذا نقول أيضا ؟! إننا لا نستطيع أبدأ أن نحصر بكلماتنا الفروق الواسعة التي بين خدمة موسى وخدمة رب المجد، لأن الفرق بينهما كالفرق بين الأرض والسماء أو بين الجسد والروح أو بين الموت والحياة... وكلها فروق أبعد من قدرتنا على البيان !!

لكن كل ما نستطيع أن نقوله هو إن « النبي» العظيم قد جاء، النبي الذي حمل إلينا أكمل وأجمل إعلان عن شخص الله، هل قبلت هذا الإعلان في حياتك ؟ وللحديث بقية.