السبت، 6 يوليو 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (30)
بقلم : فخرى كرم

«ليأتِ ملكوتك» (مت 6: 10)
بدأ الرب الكرازة ببشارة «الملكوت» والتي كانت تعني إقامة ملكوت الله على الأرض من خلال سيادته على شعبه القديم، واستعلان قوات هذا الملكوت بنقض أعمال ابليس المتسلط على حياة البشر من خلال أرواح الشر والمرض والموت (أع10: 38) ولهذا كان لعبارة «ليأت ملكوتك» عندما نطق بها ربنا لأول مرة معنى محدد في أذهان التلاميذ، هذا المعنى كان مقترناً بعودة ملكوت الله على الشعب اليهودي وبالتالي عودة سيادة الشعب اليهودي على سائر الشعوب (أع1: 6) ولهذا ألمح الرب أكثر من مرة إلى أن من القائمين معه أناساً لن يذوقوا الموت حتى يروا ملكوت السماوات آتياً بالقوة (مت 16: 28) وأن تلاميذه لن يكمِّلوا الكرازة في مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان في ملكوته (مت10: 23)
لكن لابد أن نفهم أن هذه النتائج المباركة كانت مرتبطة ومتوقفة على فرضية أن الشعب اليهودي سوف يقبل الكرازة بالملكوت ويرحب بالملك الآتي باسم الرب، لكن للأسف هذا لم يحدث!! ووجدنا أن الذين قبلوا هذه الكرازة كانوا أعداداً قليلة وهم الذين ثبتوا مع الرب لنهاية خدمته على الأرض، حوالي مائة وعشرون نفساً من مجموع الشعب اليهودي كله!! بينما الأغلبية الساحقة من الشعب انساقوا وراء قادتهم الدينيين ورفضوا ملكوت ربنا عليهم، حتى أن بيلاطس سألهم باندهاش «أأصلب ملككم»؟! فكانت اجابتهم الحاسمة «ليس لنا ملك إلا قيصر»!!
عند هذه النقطة الفارقة في تاريخ الشعب القديم حدث تغييراً في مسار الأحداث، إذ لم يعد الرب ولا تلاميذه يكرزون بملكوت مادي محصور في شعب بعينه أو حدود جغرافية محددة، بل أصبحت الكرازة في الكنيسة هي بملكوت روحي يملك فيه الله على أفراد من كل قبيلة وأمة وشعب ولسان، أصبحت الكنيسة هي استعلان ملكوت الله على الأرض من خلال أناس لا تربطهم أية روابط عرقية أو جغرافية أو لغوية، وهذه الكرازة الجديدة بلا شك أكثر اتساعاً وشمولاً من الكرازة التي بدأ بها الرب خدمته.
ولابد أن نؤكد هنا أن هذا التغيير لم يكن أبداً فشلاً لكرازة يسوع بالملكوت أو انحرافاً عن مقاصد الله الأزلية، فكل شر الإنسان لا يمكنه أن يغيِّر إرادة الله أو ينحرف بها عن مسارها، بل أن رفض الشعب اليهودي لملكوت ربنا كان موجوداً في علم الله السابق، وقدرته السرمدية كانت ترتب لتحويل هذا الرفض إلى الخير بفتح باب الكرازة للعالم كله (رو11: 25) ولذلك نجد ربنا في صلاته للآب يتكلم بلهجة النجاح والانتصار قائلاً «أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4)
ولهذا ينبغي أن يكون لعبارة «ليأت ملكوتك» معناها المختلف اليوم عن المعنى الذي فهمه التلاميذ يوم سمعوها من الرب لأول مرة، فاذا كانت أفكارهم ذهبت وقتها نحو انتظار ملكوت ملموس يسود أرضهم ودولتهم فنحن الآن تذهب أفكارنا لملكوت روحي على قلوب وأرواح البشر، في كل مرة نردد «ليأت ملكوتك» ينبغي أن نتضرع إلى ربنا لكي تزداد سيادته على أفكارنا وتصرفاتنا، ينبغي أن نعترف بكل فكر أو سلوك غير خاضع لسلطان روح الله القدوس ونتوب عنه، لكي يأتي ملكوت الله بالحق على حياتنا ويظهر من خلالنا للآخرين. وللحديث بقية (يتبع)