السبت، 3 أبريل 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (50)

بقلم : فخرى كرم

 

« لأن أباكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها » (مت6: 32)

يتقدم الرب في حديثه ليخبرنا عن سبب خامس لعدم اتكالنا على اكتناز الأموال، وهو:

(5) رعاية الآب السماوي

الشخص الذي يلجأ لاكتناز المال والممتلكات هو شخص يشعر بعدم أمان شديد تجاه المستقبل، وهو يحاول أن يشعر بالأمان في أمواله الكثيرة (لو12: 19) لكن الرب هنا يعلن لنا عن حقيقة معزية تمنحنا الشعور بالأمان تجاه المستقبل، وهي أن الله هو أبونا السماوي الذي يهتم بنا ويدبر احتياجاتنا في وقتها، لو صدقنا هذه الحقيقية واستقرت في أعماقنا لتغيرت حياتنا للأفضل بشكل جذري!! ولكي يبرهن ربنا على هذه الحقيقة نجده يلفت نظر سامعيه لحقيقتين بديهيتين:

† الحقيقة البديهية الأولى هي أن الله أعطانا فعلاً الأغلى والأكثر أهمية!! يقول ربنا «أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس»؟ لقد أعطانا الله الأجساد المتميزة عجباً والفريدة في صنعها وجمالها، وأعطى هذه الأجساد حياة ونفساً ثمينة لا يمكن أن نشتريها بكل أموال الدنيا، فكيف نشك في قدرة الله أن يعطينا الاحتياجات الضرورية لابقاء هذه الأجساد حية وعاملة؟ ان هذه الاحتياجات قليلة القيمة جداً بالمقارنة مع الهياكل الحية التي أعطاها الله لنا مجاناً، ومن البديهي أن من أعطانا الأعظم لن يبخل علينا بالأقل ومن أراد لنا الحياة لن تقصر يداه عن منحنا ضرورات هذه الحياة!!

ان كلمات الرب هذه تدفعنا لنتأمل في أحوالنا ونتعجب كيف أننا صرنا نهتم بالأقل ونهمل الأعظم؟ وفي سعينا للرخيص دسنا على الغالي!! فكم منا في سبيل حصولهم على المال يهملون في صحة أجسادهم وسلامة نفوسهم؟! وطمعاً في اكتناز الأموال يحرمون أنفسهم وأجسادهم من الوجود في محضر الله خالق هذه الأجساد والنفوس!! اننا في كل يوم نحتاج أن نتذكر كلمات الرب هذه حتى يستقر في عمق وجداننا أن الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس، فنعيد ترتيب أولوياتنا ونضع الأمور الأفضل أولاً!!

† الحقيقة البديهية الثانية هي أن الخلائق الأقل ذكاء منا تعرف هذا القانون وتمارسه ببساطة وسهولة!! يشير ربنا إلى طيور السماء التي تستمتع بحياتها ولا تهتم أن تجمع طعامها في مخازن لأنها تؤمن ببساطة أن الخالق الذي أعطاها الحياة لا يمكن أن يبخل عليها بقوت هذه الحياة، ولأنها تعتقد بالغريزة أن الحياة أجمل من أن تضيعها في قلق لا طائل من وراءه!! وكلمات الرب تحمل لنا حقيقة تدعونا للدهشة وهي أن هذه الخلائق تتكل على الله رغم أنه «الخالق» فقط بالنسبة لها، أما نحن فالله بالنسبة لنا هو «الآب» السماوي، إن حجم وسمو علاقتنا بالله أعظم بكثير من علاقته بسائر الخليقة، ان روحه يسكن فينا ويربطنا به بدالة البنوة، ورغم ذلك تجدنا لا نظهر نفس الثقة والاتكال التي تظهرها سائر الخليقة غير العاقلة!!

وغني عن البيان أن كلمات الرب هذه لا تعني التراخي أو التكاسل في أعمالنا، فمن لا يريد أن يشتغل لا يأكل أيضاً (2تس3: 10) فطيور السماء التي يتكلم عنها ربنا تستيقظ مبكراً جداً وتسعى وراء طعامها بكل اجتهاد وبلا تكاسل، ولكنها تعمل هذا بدون قلق وخوف من المستقبل، انها تعرف أن تستمتع بالحياة وبالعمل أيضاً!! دعونا إذاً لا نقلق على المستقبل ولا نلجأ لاكتناز المال بحثاً عن الشعور بالأمان، لأن أبانا السماوي يعلم كل احتياجنا ويعمل لتسديده بحسب غناه في المجد، وللحديث بقية (يتبع)