سبعة أرواح الله (33)
بقلم : فخرى كرم
بعدما تكلمنا عن صورة الحمامة التي
تشير لروح الوداعة، وصورة النار التي تشير إلى روح القضاء والامتحان، نتقدم الآن
بكل خشوع لنتأمل في صورة ثالثة من الصور الرمزية التي استخدمها الكتاب للإشارة إلى
شخص الروح القدس، ألا وهي صورة :
المياه
« وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادي قائلا: إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب، من آمن به كما قال الكتاب تجری من بطنه أنهار ماء حي، قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه » ( يو ۷ : ۳۷ـ ۳۹ ).
عندما يتكلم رب المجد هنا عن شخص
الروح القدس نراه يرسم أمامنا صورة رمزية رائعة صورة المياه العذبة الباردة
المنعشة المتدفقة كأنهار تروى الأراضى الجافة والنفوس العطشى، تحمل الحياة والنماء
لكل من يقابلها ، إنه يريد أن يشير لنا على عمل آخر من أعمال الروح المبارك، لقد
عرفنا أنه روح الوداعة وروح القداسة لكنه أيضا:
الروح المعطي الحياة !!
إن المياه هي المكون الأساسي لكل
أنسجة الكائنات الحية، وكل الوظائف الحيوية في أجسادنا تعتمد على وجود المياه، بل
أن كل خلية من خلايانا يمثل الماء مكونها الرئيسي، والدم الذي هو سائل الحياة
لأجسادنا يتكون في معظمه من الماء، والإنسان في حاجة يومية ومستمرة للمياه لكي
يعوض ما ينقص منها، فالجسد يستهلك كمية يومية من المياه لكي يقوم بوظائفه الحيوية،
ويستهلك كمية أخرى لكي يقاوم بعض العوامل الخارجية المضادة مثل شدة الحرارة
والجفاف، أما إذا لم يتمكن الإنسان من تعويض ما ينقصه من المياه فإنه يشعر بالعطش،
وهو شعور قاس لا يستطيع الإنسان تجاهله أو تأجيله، شعور يدفع الإنسان لكي يسارع
بالبحث عن الماء الذي يروي عطشه ويعيد له الانتعاش والحيوية، أما إذا لم يجد الماء
متاحاً واستمر نقص المياه من الجسد فعندئذ تبدأ الخلايا تفقد حيويتها وقدرتها على
القيام بوظائفها، ثم تبدأ تنكمش وتجف وتموت، وفي غضون أيام قليلة تعد على أصابع
اليد الواحدة يفقد الجسد الحياة ويموت!!
وأرواحناتعطش أيضا !!
لقد استخدم الرب هذه الصورة الرمزية
لكي يعلن لنا حقيقة أن احتياج أرواحنا إلى الله يشبه احتياج أجسادنا للمياه، إن
أرواحنا مأخوذة من الله ولا تحيا إلا به، وحضور الله في الحياة أمر حتمي إذا أردنا
أن نكون أحياء روحية ، ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بوظائفه الروحية بصورة حقيقية
ولا يستطيع أن يقاوم عوامل الخطية والموت المحيطة به من كل جانب إلا من خلال شركة
روحية يومية ومستمرة مع شخص الله نفسه، أما إذا غاب حضور الله عن الإنسان وانقطعت
الشركة بينهما فإن الحياة الروحية تبدأ تجف وتضعف، وإذا استمر الحرمان فإن الإنسان
يموت روحياً، وهذا ما كان الله يعنيه عندما قال لآدم «لأنك يوم تأكل منها موتا
تموت» ( تك 2 : 17 ). إن موت آدم روحياً بعد الأكل من الشجرة لم يكن عقاباً على
الخطية بقدر ما كان نتيجة طبيعية للخطية والانفصال عن الله، لقد أصاب الجفاف
والموت روحه لأنها لا تستطيع أن تحيا بدون شركة مع الله.
كما يشتاق اليل !!
استخدم كاتب المزمور نفس الصورة
الرمزية عندما قال «كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا
الله، عطشت نفسي إلى الله، إلى الله الحي، متى أجيء وأتراءى قدام الله» (مز 42 : 1 ، 2 ).
لقد شعر في نفسه أنه مثل حيوان
الإيل الذي يعيش في بيئة صحراوية جافة وقاسية وحارة تستهلك من جسده المياه بشكل
دائم ومستمر، لذلك فهو في حاجة مستمرة ليس لقطرات من المياه بل لجداول من المياه
!! إن ضرورات الحياة والمقاومة الروحية التي نلقاها في برية العالم تستهلك منا طاقة
روحية هائلة، لذلك فنحن في حاجة يومية مستمرة ليس لكلمات أو مواعظ أو طقوس بل لشخص
الله نفسه، ليس لقطرة مياه هنا أو هناك بل لأنهار ماء حي !! وهذا هو العمل الذي
يقوم به روح المياه ، الروح معطي الحياة، إن «الله» الذي يتكلم عنه كاتب المزمور
هو نفسه «الروح» الذي يتكلم عنه رب المجد يسوع، كلاهما هو المياه لأرواحنا العطشى،
وللحديث بقية.