الأحد، 4 أغسطس 2013

أحاديث من القلب

الاسم العجيب (70)
فخرى كرم
قلنا أن أرفع وأعظم قامة يصل إليها العبد هي أن يخدم سيده عن حب وليس فقط عن التزام أو اضطرار، فالعبد الذي يحب سيده يبقى في بيته ويخدمه إلى الأبد، والعبد الذي يحب سيده لا يكتفي بأن يكون عبداً بطالاً يفعل ما يُأمر به بل يتحول إلى عبد «شريك» يشارك سيده أفكاره ومشاعره وقد يفعل أشياء كثيرة يريدها السيد حتى دون أن يطلبها منه!!
ولقد أعطينا أمثلة للعبد الشريك من حياة إبراهيم وموسى، ويعوزنا الوقت لو تكلمنا عن كل عبيد الرب المذكورين في الكتاب لكننا نريد أن نتوقف عند حياة ربنا يسوع المسيح لنرى كيف كان أعظم عبد شريك رأته البشرية:
«فأجاب يسوع وقال لهم: الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن
أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل...لأن الآب
يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله» (يو5: 19، 20)
الرب هنا يقرر أن العلاقة بينه وبين الآب هي علاقة الحب التي تجعل الآب يُري الابن جميع ما يعمله، والابن لا ينتظر هنا أوامر لكنه يبادر بعمل ما ينظر الآب يعمل، إنه «شريك» للآب في عمل مشيئته على الأرض، إن الابن المبارك لم يأتِ إلى الأرض مُحمَّلاً بأوامر لينفذها لكنه أتى ممتلئاً بمشيئة ليصنعها، والفرق بين الحالتين شاسع، فالأوامر تتعلق بالتفاصيل والعبد الذي ينفذ الأوامر ينتهي دوره عند تنفيذ التفاصيل المحددة ولا يستطيع أن يضيف من عنده شيئاً، أما العبد الشريك الممتلئ بالمشيئة فالآب لا يعطيه أوامر محددة بالتفاصيل بل يتركه يعمل ما يراه واثقاً أنه في النهاية سيعمل ما يرضيه لأنه ممتلئ بمشيئته، أو كما قال الرب أن الآب لا يدين أحداً بل أعطى الدينونة كلها للابن وأيضاً أعطى للابن أن يُحيي من يشاء(يو5: 19-23) فالابن لا يدين الناس بحسب أوامر من الآب بل بحسب رؤيته الشخصية وهذه الرؤية متفقة تماماً مع رؤية الآب، والابن لا يُحيي أحداً بحسب أوامر من الآب بل هو يُحيي «مَن يشاء» ومشيئته هذه بلا شك متوافقة تماماً مع مشيئة الآب، هذا هو العبد الشريك في أكمل وأجمل حالاته على مدار التاريخ كله!!

كما أظهر الرب لموسى على الجبل نموذجاً للهيكل وطلب منه أن ينزل يصنعه تماماً كما رآه، هكذا كان الأمر مع ربنا يسوع المسيح مع الفارق الشاسع في القياس، لقد أراه الآب ما يريد أن يصنعه في حياة البشر وأظهر له المحبة الكامنة في قلبه تجاه بني آدم ثم طلب منه أن ينزل يتمم هذه المشيئة تماماً كما رآها في قلب الآب، ولقد امتلأ الابن بهذه المشيئة وأتى إلى العالم ولسان حاله «هانذا أجئ لأفعل مشيئتك يا الله» (عب 10: 9) وفي كل يوم من حياته كان يختلي بالآب وينظر إلى قلبه ليعرف ما يريد الآب أن يعمله، والآب كان يُظهر له مشيئته ولا يُخفي عنه شيئاً، ثم يخرج إلى العالم ليصنع مشيئة الآب ويحوِّلها إلى واقع ملموس في حياة البشر، من خلال حياته وسلوكه وكلماته بل من خلال عرقه ودموعه ودمائه استطاع أن ينقل لنا محبة الآب وخلاصه، له كل المجد إلى الأبد!! (يتبع)