الأربعاء، 2 مارس 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (6)
فخرى كرم
«صنع الكل حسناً في وقته» (جا3: 11)
يفرد حكيم الأجيال جزءاً كبيراً من سفر الجامعة للحديث عن قيمة الوقت وأهمية الزمن، وعن ضرورة تمييزنا للأوقات والأزمنة، وكيف أن الله وضع لكل شيء زماناً ولكل أمر تحت السماء وقتاً، وإذا صنعنا كل أعمالنا في وقتها الصحيح سنختبر كيف أن الكل حسن في وقته.
قد يكون العمل في حد ذاته صحيحاً لكن إذا حاولنا أن نعمله في غير وقته لن نحصد النتائج المرجوة، لا يكفي أن يكون العمل صحيحاً بل ينبغي أن يكون توقيته أيضاً صحيحاً، وكم من أعمال مشروعة عملناها ولم نشعر بأنها حسنة لأننا لم نعملها في وقتها الذي عيّنه الله!!
 ما يؤكد هذه الحقيقة هو أن ربنا له المجد عاشها في حياته على الأرض، كان يفعل كل شيء «للوقت»، بمعنى أنه كان يفعل كل أعماله في وقتها الصحيح بحسب رأي الآب، لم يكن يفعل أي شيء في أي وقت بل كل ما يرى الآب يفعل فهذا يفعله أيضاً، كانت كل أعماله متوافقة في توقيتها مع ما يعمله الآب.
«لم تأتِ ساعتي بعد» (يو2: 4)
في أول معجزة صنعها يسوع في عرس قانا الجليل نرى هذا الحق جلياً، عندما فرغ الخمر من العرس وقالت المطوَّبة مريم ليسوع «ليس عندهم خمر» أجابها يسوع «مالي ولك يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد»!! فيسوع لا يتحرك للعمل مدفوعاً بالظروف الخارجية ولا بطلب أحبائه بل فقط بمشيئة الآب، وما يحدد توقيت العمل بالنسبة له ليس هو الاحتياج الموجود ومدى إلحاحه بل فقط توقيت الآب، وقد يكون توقيت الآب ليس بعيداً جداً بل بعد دقائق معدودة ولكنه في النهاية التوقيت الصحيح!!
نحن دائماً نقيس الأمور بتوقيتنا الخاص ونريد كل شيء بسرعة ولذلك كثيراً ما نعتقد أن الله يتأخر في الاستجابة، لكن الحقيقة التي ينبغي أن نؤمن بها هي أن الله لا يتأخر أبداً بل هو يفعل كل شيء في توقيته الصحيح، لكن المشكلة هي أننا دائماً متعجلون جداً!!
«ان وقتي لم يحضر بعد» (يو7: 6)
في عيد المظال الأخير في حياة ربنا على الأرض طلب منه اخوته أن يصعد معهم إلى أورشليم لكي يُظهر نفسه لتلاميذه هناك، ولكن الرب أجابهم بأن يصعدوا هم للعيد لأن وقتهم في كل حين حاضر أما وقته هو فلم يحضر بعد!! الإنسان العادي يشعر أن وقته ملكه، يستطيع أن يفعل به ما يشاء، يستطيع أن يفعل أي شيء في أي وقت، أما انسان الله فيدرك أن وقته ملك لله، لا يستطيع أن يتصرف فيه إلا بحسب مشيئة الله!! يستطيع اخوة الرب أن يصعدوا إلى العيد في أي وقت يشاؤون أما يسوع فلا يصعد إلا في توقيت الآب، حتى ولو كان توقيت الآب بعد توقيتهم بساعات قليلة!!
كان عرس قانا الجليل في بداية خدمة ربنا العلانية على الأرض وكان صعوده إلى عيد المظال في نهاية هذه الخدمة المباركة، من البداية إلى النهاية ظل سيدنا أميناً لتوقيت الآب ومشيئته، لم تفلح ضغوط الأعداء ولا طلبات الأصدقاء أن تجعله يسير حسب توقيتات البشر، لقد عرف سيدنا قيمة أن يفعل كل شيء في توقيته الصحيح، ففعل كل شيء حسناً في وقته!!

 ليتك تعلمنا يا سيدي أن نقتدي بك في خضوعك لتوقيت الآب ومشيئته!! وللحديث بقية (يتبع)