سبعة أرواح
الله (52)
بقلم :
فخري كرم
بعدما تكلمنا عن خمسة
صور رمزية للروح هي الحمامة والنار والمياه والريح والزيت، وعرفنا أن كلا منها
تشير إلى عمل خاص للروح القدس، نبدأ اليوم حديثنا عن الصورة السادسة للروح ألا
وهي:
الخمر
كانت الخمر من ضرورات
الحياة في إسرائيل حتى أن أبسط طعام يتناوله الإسرائيلي كان الخبز والخمر (تك 14 :
18 ، قض 19 : 19 ) لذلك كانت وفرة الخمر عنوانا لبركة الله (تك 27 : 28 ، عا 9 :
13) كما أن قلتها كانت عنوانا لغضبه (إش 62 : 8 ) وكانت الخمر أيضا تستخدم لعلاج
بعض الأمراض (۲صم 16 : 2 ، لو 10 : 34 ، 1تي 5 : 23 ) وأهم فوائد الخمر أنها كانت
تستخدم في العبادة كسكيب مقدس على الذبائح (لا 23 : 13) ولذلك كان في الهيكل مخزون
للخمر (1 أخ 9 : 29 ).
وفي العهد الجديد رأينا
الوحي يقرن بين عمل الروح وتأثير الخمر في الإنسان، ففي يوم الخمسين ظهرت على
التلاميذ مظاهر غريبة من الفرح والابتهاج جعلت الناس يظنون أن التلاميذ سكارى (أع
2 : 15 ) وفي (أف 5 : 18) يقول الرسول «لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا
بالروح». .
ولكي نفهم هذه المقارنة
بين الخمر والروح ينبغي أن نفهم تأثير الخمر على شاربها، إن الخمر إذا أستخدمت
بمقدار معقول تسبب شعور الإنسان بالفرح وطيب القلب ودفء المشاعر (مز 104 : 15 ، جا
9 : 7 ، 10 : 19) وعندئذ يشعر الإنسان أنه قوي ومنتصر على همومه ولا يذكر أحزانه
بعد (أم 31 : 7) وعلى ذلك نستطيع أن نفهم أن صورة الخمر وارتباطها بعمل الروح إنما
هو إشارة للروح القدس باعتباره
روح التعزية والفرح
تكلم الرب كثيرا عن شخص
الروح المبارك باعتباره «المعزى» (يو 14 : 16) والتي تعني «المعين » و «المشجع» و
«المقوى »، إن الروح القدس له عمل في قلب المؤمن يشبه عمل الخمر في قلب الإنسان،
فإذا كانت الخمر تبهج شاربها وتجعله يرتفع فوق همومه وأحزانه فإن الروح له ذات
التأثير وإن كانت طريقة العمل مختلفه !!
الخمر ترفع صاحبها فوق
أحزانه بواسطة «النسيان»، حيث تجعله ينسى بشكل مؤقت أحزانه مما يعطى لمشاعره
انتعاشاً مؤقتاً وفرحاً وقتياً، وعندما ينتهي تأثير الخمر يعود شاربها إلى أرض
الواقع ليجد أن كل شيء على ما هو عليه وأحزانه باقية كما هي، مما قد يدفعه لمزيد
من الشراب ليتحول الأمر إلى سكر وإدمان ورغبة في الغياب عن الوعي والهروب من
الواقع.
أما الروح القدس فهو
يرفع الإنسان فوق مشاكله وأحزانه بواسطة مواهب روحية حقيقية وعطايا وبركات واقعية
وإعلانات إلهية عما هو مذخر له في السماوات، كل هذا يرفع المؤمن وينعش روحه ويقويه
لمواصلة السعي في هذه البرية واحتمال الآلام والمضايقات التي تواجهه، وهو في هذا
ليس غائباً عن الوعى أو هارباً من الواقع بل مرتفعاً فوقه ومنتصراً عليه بوسائط
حقيقية ومؤكدة.
إن شارب الخمر يحلق
برأسه فوق السحاب وترتفع أقدامه من فوق الأرض ليهرب من الواقع بواسطة أجنحة الوهم
والخيال، ولكنه عندما يفيق من الخمر لا تستطيع هذه الأجنحة الهشة أن تحمله فيما
بعد، فيهوى بكل ثقله إلى الأرض متحطماً !! أما المؤمن الممتلىء بروح التعزية فترتفع
هامته فوق السحاب وتنظر عيناه إلى ما فوق الغيوم ولكن أقدامه تظل تسير على الأرض
لا ترتفع فوقها . لذلك فهو دائما في مأمن من السقوط والتحطيم!!
الكرمة الحقيقية
قال الرب عن نفسه أنه
هو الكرمة الحقيقية ونحن الأغصان في هذه الكرمة، إشارة إلى كونه له المجد هو
المصدر للفرح والتعزية الحقيقية في هذا العالم مقارنة مع الكروم الأخرى التي تعطي
للإنسان فرحة مؤقتة وتعزية زائلة، لذلك فلا عجب أن أول ثمار الروح التي ينبغي أن
نحملها نحن الأغصان هو الفرح (غلا 5 : 22).
كلمة لابد منها !!
نريد أن نؤكد هنا أنه
رغم بعض الفوائد التي للخمر إلا أن الكتاب ينهى تماما عن سوء استخدامها وتحويلها
إلى مادة للسكر والإدمان، والآيات التي تؤكد هذا لا حصر لها في العهدين القديم
والجديد ( أم 20 : 1 ، 23 : 29 ـ 35 ، 1كو 5 : 11 ، 1بط 4 : 3 ) وكم أفسدت الخمر حياة
رجال كثيرين مثل نوح ولوط، وللحديث بقية