الخميس، 26 أكتوبر 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (52)

بقلم : فخري كرم

بعدما تكلمنا عن خمسة صور رمزية للروح هي الحمامة والنار والمياه والريح والزيت، وعرفنا أن كلا منها تشير إلى عمل خاص للروح القدس، نبدأ اليوم حديثنا عن الصورة السادسة للروح ألا وهي:

الخمر

كانت الخمر من ضرورات الحياة في إسرائيل حتى أن أبسط طعام يتناوله الإسرائيلي كان الخبز والخمر (تك 14 : 18 ، قض 19 : 19 ) لذلك كانت وفرة الخمر عنوانا لبركة الله (تك 27 : 28 ، عا 9 : 13) كما أن قلتها كانت عنوانا لغضبه (إش 62 : 8 ) وكانت الخمر أيضا تستخدم لعلاج بعض الأمراض (۲صم 16 : 2 ، لو 10 : 34 ، 1تي 5 : 23 ) وأهم فوائد الخمر أنها كانت تستخدم في العبادة كسكيب مقدس على الذبائح (لا 23 : 13) ولذلك كان في الهيكل مخزون للخمر (1 أخ 9 : 29 ).

وفي العهد الجديد رأينا الوحي يقرن بين عمل الروح وتأثير الخمر في الإنسان، ففي يوم الخمسين ظهرت على التلاميذ مظاهر غريبة من الفرح والابتهاج جعلت الناس يظنون أن التلاميذ سكارى (أع 2 : 15 ) وفي (أف 5 : 18) يقول الرسول «لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح». .

ولكي نفهم هذه المقارنة بين الخمر والروح ينبغي أن نفهم تأثير الخمر على شاربها، إن الخمر إذا أستخدمت بمقدار معقول تسبب شعور الإنسان بالفرح وطيب القلب ودفء المشاعر (مز 104 : 15 ، جا 9 : 7 ، 10 : 19) وعندئذ يشعر الإنسان أنه قوي ومنتصر على همومه ولا يذكر أحزانه بعد (أم 31 : 7) وعلى ذلك نستطيع أن نفهم أن صورة الخمر وارتباطها بعمل الروح إنما هو إشارة للروح القدس باعتباره

روح التعزية والفرح

تكلم الرب كثيرا عن شخص الروح المبارك باعتباره «المعزى» (يو 14 : 16) والتي تعني «المعين » و «المشجع» و «المقوى »، إن الروح القدس له عمل في قلب المؤمن يشبه عمل الخمر في قلب الإنسان، فإذا كانت الخمر تبهج شاربها وتجعله يرتفع فوق همومه وأحزانه فإن الروح له ذات التأثير وإن كانت طريقة العمل مختلفه !!

الخمر ترفع صاحبها فوق أحزانه بواسطة «النسيان»، حيث تجعله ينسى بشكل مؤقت أحزانه مما يعطى لمشاعره انتعاشاً مؤقتاً وفرحاً وقتياً، وعندما ينتهي تأثير الخمر يعود شاربها إلى أرض الواقع ليجد أن كل شيء على ما هو عليه وأحزانه باقية كما هي، مما قد يدفعه لمزيد من الشراب ليتحول الأمر إلى سكر وإدمان ورغبة في الغياب عن الوعي والهروب من الواقع.

أما الروح القدس فهو يرفع الإنسان فوق مشاكله وأحزانه بواسطة مواهب روحية حقيقية وعطايا وبركات واقعية وإعلانات إلهية عما هو مذخر له في السماوات، كل هذا يرفع المؤمن وينعش روحه ويقويه لمواصلة السعي في هذه البرية واحتمال الآلام والمضايقات التي تواجهه، وهو في هذا ليس غائباً عن الوعى أو هارباً من الواقع بل مرتفعاً فوقه ومنتصراً عليه بوسائط حقيقية ومؤكدة.

إن شارب الخمر يحلق برأسه فوق السحاب وترتفع أقدامه من فوق الأرض ليهرب من الواقع بواسطة أجنحة الوهم والخيال، ولكنه عندما يفيق من الخمر لا تستطيع هذه الأجنحة الهشة أن تحمله فيما بعد، فيهوى بكل ثقله إلى الأرض متحطماً !! أما المؤمن الممتلىء بروح التعزية فترتفع هامته فوق السحاب وتنظر عيناه إلى ما فوق الغيوم ولكن أقدامه تظل تسير على الأرض لا ترتفع فوقها . لذلك فهو دائما في مأمن من السقوط والتحطيم!!

الكرمة الحقيقية

قال الرب عن نفسه أنه هو الكرمة الحقيقية ونحن الأغصان في هذه الكرمة، إشارة إلى كونه له المجد هو المصدر للفرح والتعزية الحقيقية في هذا العالم مقارنة مع الكروم الأخرى التي تعطي للإنسان فرحة مؤقتة وتعزية زائلة، لذلك فلا عجب أن أول ثمار الروح التي ينبغي أن نحملها نحن الأغصان هو الفرح (غلا 5 : 22).

كلمة لابد منها !!

نريد أن نؤكد هنا أنه رغم بعض الفوائد التي للخمر إلا أن الكتاب ينهى تماما عن سوء استخدامها وتحويلها إلى مادة للسكر والإدمان، والآيات التي تؤكد هذا لا حصر لها في العهدين القديم والجديد ( أم 20 : 1 ، 23 : 29 ـ 35 ، 1كو 5 : 11 ، 1بط 4 : 3 ) وكم أفسدت الخمر حياة رجال كثيرين مثل نوح ولوط، وللحديث بقية


الخميس، 19 أكتوبر 2023

أحاديث من القلب


سبعة أرواح الله (51)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن الكنيسة ينبغي أن تشارك الرب في مسحته الكاملة الأبدية الفائضة، فالكنيسة مسئولة أن تعلن ملك الرب على النفوس في هذا الزمان الحاضر، وهي مسئولة أيضا أن تدخل إلى الأقداس في كل حين لكي تشفع في الجميع، إننا نشارك الرب في مسحة الملك والكهنوت التي مسح بها شخصه الكريم مرة واحدة وإلى الأبد، واليوم نختتم حديثنا عن روح المسحة المبارك بالقول إننا أيضا نشارك الرب في مسحة النبوة.

النبي الكامل

كان ربنا هو «النبي» الآتي إلى العالم، النبي الكامل الذي حمل إلينا ليس مجرد حق من الله مثل باقي الأنبياء بل حمل إلينا «الحق» الكامل الذي رآه في أبيه، ولم ينقله لنا بكلماته فحسب بل كان هو بنفسه «الحق» المتجسد كاملا غير منقوص، حتى أن كل من رآه فقد رأى الآب.

حمل إلينا حقا كاملاً عن الله والإنسان، حقا كاملاً عن العالم والشيطان، حقا كاملاً عن الحياة والخلود ، حقاً كاملاً عن السماء والجحيم، كانت مسحة النبوة المنسكبة على شخصه مسحة كاملة وشاملة.

لكن من الناحية الأخرى نحن نحتاج أن تظل تعاليم الرب وحياته ماثلة للأذهان مسموعة للآذان مؤثرة في الوجدان على مر العصور والأزمان، وهنا تأتي مسئولية الكنيسة من خلال خدمة

الأنبياء

وضع الروح القدس في الكنيسة مواهب تأسيسية من ضمنها «الأنبياء» (أف4 : 11)، وهم يأتوا في المرتبة الثانية بعد الرسل مباشرة، هؤلاء الأنبياء هم المسئولون في الكنيسة عن جعل فكر الله واضحاً للشعب على الدوام، وقيادة الشعب للسلوك بحسب هذا الفكر، وذلك من خلال كلمات هؤلاء الأنبياء وسلوكهم وسط الكنيسة، إن كنيسة بدون أنبياء هي كنيسة بلا رؤية لفكر الله الخاص بها، وبلا رؤية يجمح الشعب.

وما نريد أن نؤكد عليه الآن هو أن هؤلاء الأنبياء ليس لهم مسحة نبوة جديدة مستقلة عن مسحة ربنا له المجد، بل أن مسحة النبوة التي لهم ليست سوى قطرة من فيض مسحة ربنا، أي أن كل ما يمكن أن يأخذوه من معرفة لفكر الله ليس سوى جزء مما سبق ربنا وأعلنه في أثناء حياته، هؤلاء الأنبياء لا يأخذون إعلاناً جديداً عن أي شيء، بل لا يوجد في كل تاريخ الكنيسة ما يمكن أن يسمي إعلاناً جديداً ، لأن رب المجد قد نقل إلينا كل الحق مرة واحدة وإلى الأبد، ولن يوجد إعلان بعد إعلانه له المجد، لكن سيظل هناك إعلانات جزئية ضمن الإعلان الكبير، إعلانات تسلط الضوء على كلمات الرب وتشرحها وتظهر خفاياها وتجعلها حية في أذهان الناس قابلة للتطبيق في كل عصر وتحت كل ظرف.

الحق واحد والاعلانات متعددة

عندما أتى الرب في جيله حمل لهم فكر الله بوسائل وكلمات وأمثلة تناسب ثقافة ذلك العصر وعاداته، ورغم أن مضمون هذا الحق سيبقى ثابتاً لا يعتريه أدنى تغيير إلا أنه يحتاج في كل عصر إلى أنبياء يحملونه إلى أبناء جيلهم بكلمات ووسائل تناسب تطور ثقافات الشعوب وأساليب حياتها.

إن كل بلد تحتاج إلى أنبياء يحملون فكر الله إلى بلدهم بما يتناسب مع ثقافتها الخاصة وتاريخها، بل أن كل كنيسة في داخل البلد الواحد تحتاج إلى أنبياء يحملون لها فكر الله الخاص بها والمتناسب مع ظروفها ومشاكلها.

لقد استخدم الرب بولس كنبي للأمم يخاطبهم بلغتهم وبثقافتهم حاملا إليهم فكر الله الكامل، كما استخدم بطرس كإناء يحمل ذات الفكر إلى اليهود ، إن جوهر الإعلان سيظل واحداً لكن أواني الأنبياء ستتعدد بما يتناسب مع تعدد واختلاف الظروف والأماكن.

إن مهمة الأنبياء أساسية جدا لكي يظل الإعلان الكامل الذي أتى به ربنا حيا ساري المفعول في كل أنحاء المسكونة، لأنه في غياب هذا الإعلان الحق عانت الكنيسة كثيراً ومازالت تعاني من أنبياء و «نبيات » كذبة حملوا إعلانات بعيدة عن الحق سببت الكثير من الضلال والإنقسام !!

آه يا روح المسحة المبارك !! ليتك ترسل إلينا قطرات من مسحة النبوة التي انسكبت على رأس سيدنا في ملء الزمان، لننقل إلى كنائسنا وشعوبنا فكر الله الحقيقي بقوة وسلطان، ولكي تعود كلمات ربنا يسوع المسيح تكتسب سلطانها على أذهان الجيل الحاضر الذي نعيش فيه (يتبع).