الاثنين، 14 أغسطس 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (47)

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن سيدنا قد مسح ملكاً وكاهناً إلى الأبد ، وقد اكتملت في شخصه المبارك كل المسحات الرمزية والجزئية التي كانت لملوك وكهنة العهد القديم، واليوم نضيف أن روح المسحة المبارك قد مسحه أيضا «نبياً» بل بالحرى «النبي»!!

من هو النبي ؟

النبي هو الشخص المسئول عن معرفة فكر الله الخاص بالشعب في الأوقات والظروف المختلفة، وهو المسئول عن نقل هذا الفكر للشعب بأكمل صورة ممكنة، وفي بعض الأحيان يكون مسئولاً أيضا عن تحقيق هذا الفكر وتحويله إلى واقع ملموس.

ووظيفة النبي أساسية جدأ لأن طبيعة القلب الإنساني هي الضلال سريعاً عن فكر الله والتحول إلى الطقسية والروتينية المميتة، ولذا يحتاج شعب الله إلى من يعرف فكر الله الخاص لكل موقف يمر به الشعب وينقل لهم هذا الفكر المتجدد الحي.

وكثيرا ما كانت وظيفة النبي مؤلمة ومكلفة، لأنه في أغلب الأحيان يكون فكر الله غير مستساغ وغير مقبول من الشعب لا سيما في أوقات الضلال والارتداد ، والشعب دائما يحب سماع الأقوال الناعمة وعندما يحمل الأنبياء فكر الله ودينونته على الشر لا يلقى هذا الفكر في الغالب قبولا، وكثيرا من الأنبياء دفعوا حياتهم ثمنا لحملهم فكر الله لشعوبهم، وآخرون عذبوا وتجربوا في هزء وجلد وقيود أيضا وحبس، بل رجموا ونشروا وطافوا في جلود غنم ومعزى معتازين مكروبين مذلين، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم!! ولقد استحقت أورشليم عن جدارة لقب «قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها » !!

وقيمة النبي كانت تقدر بمدى قيامه بهذه المسئوليات، فهناك الأنبياء الصغار الذين نقلوا فكر الله ولكننا لم نر لهم أعمالا مؤثرة في تاريخ الشعب، وفي المقابل هناك الأنبياء الكبار الذين لم ينقلوا فقط أقوال الله بل استطاعوا بحياتهم أن يغيروا مسار الشعب رجوعاً إلى الله، مثل صموئيل وداود وإيليا ... وقبل الكل يقف

موسى النبي النموذجي !!

لم يستطع شعب إسرائيل أن ينسى ما فعله موسي معهم، هذا الإنسان الذي اختار أن يترك كل خزائن مصر ويربط مصيره بهذا الشعب المستعبد ، موسي الذي كان يتكلم مع الله وجها لوجه ثم ينزل إلى الشعب لكي ينقل لهم أقوال الله ووصاياه، ولم ينقلها بالكلام فقط بل استطاع بآناته وحلمه ورعايته واحتماله أن ينقل صورة الله للشعب، نقل لهم فكر الخلاص والتحرير في وقت عبوديتهم القاسية واستطاع أن يكون الأداة التي يحقق بها الله هذا الخلاص ويجعله واقعاً ملموساً، لقد كان موسى نبياً عظيماً وكان دوره محورياً  وفاصلاً في تاريخ شعب إسرائيل، لقد ارتبط تاريخ إسرائيل بموسى كما لم يرتبط بأي شخص آخر، حتى أن الله خشي أن يعبدوه بعد موته فأخفي جسده عن أنظارهم!!

لقد كان موسى بحق النبي النموذجي حتى أنه قال قبل موته « يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلي ، له تسمعون» (تث 18 : 15 ) أي أن كل نبي يأتي بعده كان يكتسب مصدقيته من مقدار تشبهه بموسى، ولقد اعتبر الشعب أن هذه الأقوال بمثابة نبوة عن مجيء نبي له نفس تأثير موسى في تاريخ الشعب، نبي يكون دوره محورياً وفاصلاً في حياة الشعب كما فعل موسى، ورغم تعاقب العديد من الأنبياء الكبار والصغار على إسرائيل إلا أن الشعب لم يقيم أحداً منهم بأنه «مثل» موسى، كان موسى هو المقياس الذي يقيسون عليه كل الأنبياء، ولذلك نراهم في أيام الرب يحاولون كثيراً مقارنته بموسى (يو6 : 31 ، 9 : 29 ) .

ولأن أياً من أنبياء العهد القديم لم يرقى إلى مستوى موسى اعتبروا أن هذه النبوة لم تتم بعد وظلوا ينتظرون مجيء «النبي» الذي يشبه موسى ، حتى عندما جاء المعمدان سابقأ للمسيح كان السؤال الذي وجه إليه:

ألنبي أنت ؟!

 والحقيقة أن إسرائيل كان فعلاً في هذه الأيام على موعد مع «النبي» الموعود ، ولكن ليس في شخص المعمدان بل في شخص يسوع، النبي الحقيقي الذي كان مزمعاً أن يغير مسار الشعب وتاريخه جذرياً، وللحديث بقية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق