الأحد، 8 يوليو 2012


الاسم العجيب (59)
فخرى كرم
قلنا أن ربنا المبارك اتخذ قراراً بكامل اختياره أن يكون عبداً لله كل أيام حياته على الأرض، فكان لسان حاله عند دخوله للعالم «أن أعمل مشيئتك يا إلهي سُررت»، وإذا كان التاريخ المقدس قد شهد العديد من عبيد الله الذين خدموه في بعض أوقات حياتهم فربنا يظل متفرداً بأنه العبد منذ ولادته!! واليوم نريد أن نتقدم قليلاً لنرى سيدنا وهو:
عبد في صباه وشبابه
أيام الصبا والشباب المبكِّر ترتبط عادة في أذهاننا بالطيش والتهور، والسبب أنه في هذه المرحلة المبكرة من العمر يبدأ الإنسان يكتشف ذاته وقدراته وتفور في داخله الطاقات والرغبات بينما في ذات الوقت تكون معرفته للواقع المحيط به لم تنضج بعد، عادة تكون الطاقة النابعة منه أكبر من إدراكه للصواب والخطأ وما ينبغي وما لا ينبغي، تمتلك الإنسان في هذه المرحلة من العمر رغبة جارفة لإثبات ذاته وترك بصمته في الواقع المحيط به رغم عدم إدراكه الكامل للقواعد والمبادئ التي تحكم هذا الواقع، في تلك الأيام تكون ذات الإنسان ضخمة جداً في عينيه حتى أنها تحجب عنه رؤية الكثير من حقائق الحياة وقوانينها، وتفجُّر الطاقات في تلك المرحلة يجعل الإنسان يعتقد أنه قادر على تغيير واقعه وواقع مجتمعه بينما هو في الحقيقة ليس بقادر!! لذلك تتميز هذه المرحلة عادة بالأفعال الطائشة غير المحسوبة والكثير من الانفعال والتمرد وتخطي الحدود في العلاقة مع المجتمع، وتتميز أيضاً بالأحلام والطموحات الكبيرة بينما الإنجازات في أرض الواقع تكون عادة قليلة أو معدومة، ولذلك تكثر في هذه المرحلة أيضاً الصدمات العاطفية الشديدة التي قد تعصف بالإنسان وتحطمه أو تزيده نضجاًً وإدراكاً لطبيعة الحياة وقوانينها.
 قضى ربنا هذه المرحلة الحرجة من العمر في طاعة وعبودية كاملة للآب!! كان في هذه الأيام المبكرة ينمو ويتقوَّى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه، ودائماَ كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس (لو2: 40، 52) كان ممتلئاً بالروح القدس الذي ملأه بالحكمة التي أعطته نضجاً وقامة في تعامله مع الله والمجتمع المحيط به.
تتميم مشيئة الله العامة
لقد قضى سيدي ثلاثين سنة من صباه وشبابه يصنع مشيئة الله العامة التي تكلمنا عنها سابقاً، المشيئة المدونة في أسفار الناموس والمطلوب تنفيذها من كل يهودي تقي، لم نقرأ طوال الثلاثين سنة الأولى من حياته عن عمل خاص أو مشيئة خاصة مُكلَّف بها من الآب، لكنه مثل أي يهودي مولود تحت الناموس كان يسعى لتتميم وصايا الله وتعاليمه، ولقد دوَّن لنا الوحي حادثتين في تلك المرحلة من حياته الكريمة تكشفان لنا هذا الحق:
(1) «ينبغي أن أكون في ما لأبي» (لو2: 49)
كانت هذه الحادثة وهو في الثانية عشرة من عمره، عندما لم تجده مريم ويوسف مع الرفاق وبحثا عنه ثلاثة أيام مُعذَّبين، ثم وجداه أخيراً في الهيكل جالساً وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم!! كانا يطلبانه وسط الشباب والصبية لأنهما لم يدركا أنه مختلف عن كل هؤلاء، أنه منحصرٌ في وصايا أبيه وتعاليمه، كل ما يشغله في تلك السن المبكرة أن يُرضي الله ويتمم شرائعه، كان يطلب الشريعة من فم المعلمين الجالسين على كرسي موسى (مت23: 2، 3) وكان يسمعهم بكل خضوع ويسألهم فيما يعسر عليه فهمه، لم يكن مطلوباً منه في هذه المرحلة أن يصطدم مع سلوكيات هؤلاء المعلمين، فهذه مشيئة خاصة سيُكلف بها فيما بعد، لكن المطلوب منه في هذا الوقت كان المشيئة العامة، أن يستمع منهم لأقوال الشريعة ويحفظها ويعمل بها مثل أي يهودي تقي يريد أن يسلك في مرضاة إلهه، وللحديث بقية (يتبع)  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق