الاثنين، 7 ديسمبر 2015

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (3)
فخرى كرم
«روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني... لأنادي بسنة
 مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا» (أش61: 1، 2)
احدى النبوات الرائعة التي تنبأ بها اشعياء عن ربنا المعبود من قبل مجيئه للأرض بمئات السنين، يتنبأ فيها عن أن الروح القدس سيمسح يسوع للخدمة وسط شعبه، وهذه الخدمة ستنقسم إلى مرحلتين زمنيتين، المرحلة الأولى يُرمز إليها بـ «سنة» أي أنها مرحلة زمنية طويلة وممتدة وتشمل أقسام وفصول مختلفة، انها «سنة الرب المقبولة» وهي تشير إلى زمن النعمة الذي بدأ بالمجيء الأول لربنا إلى العالم، وهذه المرحلة تتميز بأن الله «يقبل» فيها الإنسان مهما كانت حالته منحطة ومزرية، في هذه المرحلة يتنبأ اشعياء أن الرب سيبشِّر المساكين ويعصب منكسري القلوب وينادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق.
أما المرحلة الثانية فيُرمز لها بـ «يوم» أي أنها مرحلة قصيرة وليست ممتدة، انها «يوم انتقام لإلهنا» وهي تشير إلى وقت الدينونة الذي سيبدأ بالمجيء الثاني لربنا المبارك، انه الوقت الذي سينتقم فيه الرب من الأشرار الذين أساءوا إلى شعبه وأذاقوهم مرارة الحزن والعبودية، ولأن الرب ليس فقط مُنعم ومُخلِّص لكنه أيضاً محب للعدل ويبغض المختلس بالظلم فلابد أن يكون هناك وقت للانتقام من الشر، والغريب أن نفس الشخص الممسوح ليكرز بسنة النعمة هو نفسه الممسوح لتتميم يوم الإنتقام، انه ربنا يسوع المسيح له كل المجد، ولأن اشعياء يرى الأحداث بمنظور نبوي نجده يتكلم عن هاتين المرحلتين كما لو أنهما متقاربتين رغم أن الفرق بينهما زمنياً مئات السنين!!
ومرت السنين وأتى ربنا في مجيئه الأول وعاش وسط شعبه المُذل والمُهان، وعندما أكمل الثلاثين من عمره ذهب للمعمودية من يوحنا لكي يُكمل كل بر، وهناك انسكب عليه روح السيد الرب ومسحه للخدمة، وكانت هذه هي بداءة تتميم نبوة اشعياء في شقها الأول، مرحلة زمن النعمة الذي يفتح الله فيها أحضانه للإنسان المُعذَّب ليجد الراحة والسلام، وعندما جاء ربنا إلى الناصرة حيث كان قد تربَّى ودخل المجمع وقم ليقرأ دُفع إليه سفر اشعياء النبي، وبقيادة إلهية فتح السفر فوجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه هذه النبوة العظيمة، وقرأ ربنا بحكمة شديدة أقوال النبوة حتى «سنة الرب المقبولة» ولم يُكمل الجملة المكتوب فيها «يوم انتقام لإلهنا»، ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس.
كان ربنا يعرف معنى الأوقات والأزمنة ويعرف كيف يميِّز بينها، كان يعرف أنه في مجيئه الأول سيكرز بسنة الرب المقبولة فقط، وسيسلِّم للكنيسة مهمة هذه الكرازة بعد صعوده للسماء، وأن هذه «السنة» ستمتد لفترات طويلة وستمر بمراحل كثيرة لكل مرحلة سماتها المختلفة، ولذلك لم يقرأ «يوم انتقام لإلهنا» لأن هذا الانتقام مؤجل حتى موعد مجيئه الثاني إلى الأرض، عندما يرجع ليس كالمخلص المُنعم بل كديان الأرض كلها!!

اننا مازلنا في مرحلة «سنة الرب المقبولة» وإن كنا نقترب بشدة من نهايتها الوشيكة، ليتنا نعرف كيف نميز زمن افتقادنا ونتعلق بنعمة الرب التي مازلت تفتح أحضانها للإنسان، قبل فوات الوقت وضياع الفرص وتغيُّر الزمان، حين لا يبقى أمام الإنسان سوى مواجهة انتقام الله المخيف!! وللحديث بقية (يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق