السبت، 24 سبتمبر 2022

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (16)

بقلم : فخرى كرم

قلنا إن روح الوداعة التي ملأت شخص الرب يسوع له المجد قادته إلى حياة الطاعة الكاملة للآب، طاعة من طراز فريد تختلف نوعيتها عن أي مواقف طاعة رأيناها في حياة رجال الله القديسين، طاعة مميزة تبدو طاعتنا بجوارها ناقصة معيبة، قلنا عنها في المرة السابقة إنها طاعة مبدئية شاملة واليوم نضيف إنها

طاعة وفق الساعة !!

لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماء وقت (جا 3 : 1) فالله يسير هذا العالم وفق أزمنة وأوقات محتومة لا تقبل التعديل (أع 17 : 26 ) وهذه الأوقات والأزمنة هي في سلطان الأب وحده (أع 1 : 7 ) وله وحده حق تغييرها (دا ۲۱:۲).

يخطىء الإنسان عندما يظن أن حياته تسير بشكل عشوائي لا يحكمها توقيت أو زمن، وإبليس يريد أن يلقى في قلب الإنسان أن الأمور تسير كما اتفق لكي يبث في داخله روح الاستهانة والتسويف، ولكن الحقيقة هي أن لكل عمل تحت السماء ساعة محددة لا تتقدم ولا تتأخر، وإذا لم يميز الإنسان هذه الساعة ويفتد الوقت ويقم بالعمل المناسب في وقته المناسب فإن هذه الساعة قد تنتهى وتضيع الفرصة وإذا أراد أن يعمل هذا العمل في وقت لاحق لا يجد له مكانا ولا قبولاً (عب 12 : 17 ) فللتوبة وقت ولطلب الرب وقت وللخلاص وقت مقبول، وطوبى لمن يطلب الرب في وقت يجده فيه (مز 32 : 6 ) .

إن عدم تمييزنا للوقت يضيع منا فرصاً ثمينة ويجرنا إلى أخطاء مريرة، ورغم أنه ليس لنا أن نعرف بصورة مطلقة الأزمنة والأوقات التي جعلها الأب في سلطانه إلا أننا من الناحية الأخرى مطالبون بأن نميز علامات الأزمنة التي تخصنا وتوقيت الله بالنسبة لحياتنا لكي نستطيع أن نعمل ما يريده الله في الوقت الذي يريده الله، فالرب وبخ الفريسيين والصدوقيين لأنهم لم يستطيعوا أن يميزوا علامات الأزمنة (مت 16 : 3 ) .

بعضنا يظن أن الطاعة هي أن نعمل الأعمال التي نظن أنها مرضية عند الله، أي إنها طاعة لقائمة من الأعمال والوصايا ، وهذه هي طاعة الناموس أو طاعة العبد، وهي لا تستلزم شركة حقيقية كاملة مع شخص الله نفسه، لكن الحقيقة أن الطاعة في العهد الجديد والتي رأيناها في شخص الابن المبارك ليست طاعة لأعمال بل لشخص، إنها ليست فقط أن نعمل الأعمال التي يريدها الله بل أن نعملها وفق التوقيت الذي يريده الله، لأن لكل وقت عند الآب أعماله التي قد تتغير بتغير الأوقات والأزمنة، ولذلك فهذه النوعية من الطاعة لا يمكن أن تكتفي بمعرفة قائمة بالأعمال والوصايا بل تستلزم شركة حقيقية مع شخص الله في كل يوم وتوافق تام مع رؤيته للأزمنة والأوقات، إنها طاعة وفق ساعة الآب!!

 

لم تأت ساعتي بعد !!

إننا لم نر هذه النوعية الفريدة من الطاعة إلا في شخص الابن المبارك الذي كانت كل تفاصيل حياته تسير بحسب توقيت الآب، انظر إليه وهو في عرس قانا الجليل عندما فرغت الخمر منهم وتدخلت العذراء مريم لكي تحثه على تسديد الاحتياج الموجود، لكنه لم يكن ذلك الإنسان الذي يتحرك وفق احتياج المحتاجين ولا وفق شفاعة المتشفعين بل فقط وفق توقيت أبيه المحتوم، فسمعه يقول لها: «مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد » ( يو 2 : 4 ) فقد كان لكل عمل من أعماله ساعة محددة ينبغي أن يتم فيها ، وليس قبلها أو بعدها.

بل حتى سفره إلى أورشليم قبيل عيد المظال كان له وقته المحدد، فعندما طلب منه إخوته أن يصعد معهم إلى العيد قال لهم « إن وقتي لم يحضر بعد، وأما وقتكم ففي كل حين حاضر» ( يو 7 : 6 ) إن الإنسان الطبيعي يمتلك وقته، يستطيع أن يرتبه كما يشاء ويتحرك حين يريد، أما ابن الله المبارك فكل تحركاته كانت مرتبة من قبل الآب ووفق توقيته الدقيق!!

أيها الأب : قد أتت الساعة !!

 بل انظر إليه وهم يحاولون أكثر من مرة أن يقتلوه لكنه في كل مرة كان يجتاز فيما بينهم ويمضي، ولم يلق أحد يدة عليه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد( يو 7 : 30 ) فإن موته أيضا كانت له ساعة محددة ومحتومة!!

ولكن عندما تيقن أن ساعته قد جاءت رأيناه يرفع عينيه إلى السماء بكل طاعة وتسليم ويقول « أيها الآب: قد أتت الساعة» ( يو 17 : 1 ) ثم يتقدم إلى أعدائه ويسلمهم نفسه لكي يلقوا القبض عليه ويفعلوا به كل ما أرادوا !! حقا إنه خادم يهوه الفريد الذي عرف كيف يعيش وفق توقيت أبيه، فعرف كيف يخدم في وقت الخدمة وكيف يصلي في وقت الصلاة وكيف يصمت في وقت الصمت بل وكيف يموت في وقت الموت!! آه ، ما أحوجنا إلى طاعة من هذا القبيل!! (يتبع)

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق