الاثنين، 1 يوليو 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (72)

الخاتمة

بقلم: فخري كرم

حاولنا أن نتتَّبع الصور الرمزية التي اتخذها الوحى للدلالة على شخص روح اللَّه في الكتاب المقدس ، ووجدنا أنها سبع صور جميلة تعكس كل منها جانباً من جوانب شخصيته وعمله له المجد ، حتى أنه سُمى في سفر الرؤيا «سبعة أرواح اللَّه» إشارة لكمال وتنوع عمله الذي يعمله في العالم بشكل عام وفي حياتنا بشكل خاص ، فرأيناه روح الوداعة في صورة الحمامة التي نزلت على رب المجد في معموديته في بداية خدمته العلانية ، وروح القداسة الذي حلَّ كألسنة منقسمة من نار على التلاميذ في يوم الخمسين ، والروح مانح الحياة في صورة المياه التي تروى و تحيي وتفيض إلى حياة أبدية ، والروح غير الخاضع للفحص في صورة الريح التي تهب حيث تشاء ولا نستطيع أن نعرف من أين تأتي ولا إلى أين تذهب ، ورأيناه الروح الذي يمسح ويكرِّس الخدام لعمل مشيئة اللَّه في صورة زيت المسحة المقدس ، وعرفناه روح التعزية والتشجيع في صورة الخمر الجيدة ، وأخيراً رأيناه روح المعرفة والإعلان الذي ينير أمامنا كل شيء حتى أعماق اللَّه وذلك في صورة العين والمصباح المنير.

وأمام هذه الحقائق التي رأيناها من كلمة اللَّه بخصوص روح اللَّه المبارك لا بد أن نَخلُصَ إلى الحقائق التالية:

شخصه وحده يكفي!!

إذا كان هذا الروح المبارك معنا فماذا يعوزنا بعد؟ هل يمكن أن يحتاج المؤمن إلى شيء أو شخص آخر يقوده في مسيرة الإيمان؟ عندما أتى الوقت کی يصعد رب المجد إلى السماء طلب من تلاميذه أن يمكثوا في أورشليم حتى ينالوا موعد الآب ألا وهو شخص الروح القدس، وأمرهم ألا يتحركوا من أماكنهم إلا بقوة حضور روح اللَّه. لم يترك لهم خططاً محددة للكرازة ولا أساليب معينة ينتهجونها في الوصول إلى العالم أجمع. لم يترك معهم سلاحاً ولا مالاً يواجهون به المستقبل المجهول، ولم تكن هناك سلطة دنيوية تحميهم ولا قوة بشرية تسندهم، تركهم في وسط عالم يبغضهم ومجتمع يرفضهم لا لشيء سوى لأنه رفض سيدهم من قبل، تركهم ليحبوا العالم الذي يبغضهم ويقبلوا المجتمع الذي يرفضهم!! وأمام جسامة هذه المسئولية الموضوعة عليهم لم يكن هناك إلا هذا المُعين الوحيد، في مواجهة العمل الخارق المطلوب منهم. لم يكن لهم إلا شخص الروح القدس رفيقاً، لم يترك رب المجد للكنيسة إلا شخص الروح ليكون المُرشد والمُعزي والمُغذّي والشفيع والمُعلم والمُعين والمُبكّت والمُطهّر، وشخصه وحده يكفي بلاشك!!

صانع القديسين!!

في كل العصور وعلى مدى التاريخ المقدس كان الروح القدس كافياً لحياة كل قديسي اللَّه، مَنْ جعل إبراهيم أباً للإيمان؟ أي معونة كانت لإبراهيم وهو يترك بيته وعشيرته ويرحل في الصحراء متوجهاً نحو المجهول، مَنْ كان عوضه عن الأهل والأرض، أليس هو روح التعزية والتشجيع؟ مَنْ جعله يرفع عينيه للسماء وأعطاه القدرة أن يرى المدينة التي لها الأساسات، أليس هو روح المعرفة والإعلان؟ لم يكن لإبراهيم سند بشري ولا مُعين إنساني في طريق الإيمان الذي سلكه، لم يكن له معلم يرشده ولا راعٍ يحفظه ولا صديق يؤنسه، كان روح اللَّه هو كل شيء بالنسبة له، وكان وحده يكفي ليصنع من إبراهيم مثلاً رائعاً للإيمان!!

أيَّة معونة كانت ليوسف وهو يُباع عبداً ويُساق أسيراً ويُهان سجيناً؟ مَنْ كان بجانبه يشدّده ويرتقي به فوق حائط الصعوبات، مّنْ أعطاه الغَلبة على روح البُغضة في إخوته، أليس هو روح الوداعة والمحبة والغفران؟ مَنْ أعطاه الغَلبة على روح النجاسة في امرأة فوطيفار، أليس روح النار والقداسة؟ مَنْ ثبَّت بمتانةٍ قوسه حتى انتصر أخيراً وخرج غالباً ليجلس على عرش مصر؟! إنه روح اللَّه وحده، وهو وحده يكفي ليصنع من يوسف مثالاً جميلاً للوداعة والقداسة المنتصرة!!

مَنْ كان مُعيناً لموسى وهو يتصدى وحده لقيادة شعب متمرد قاسي الرقاب؟ مَنْ أرشده في دروب مصر وشعاب البرية؟ مَنْ جعله كفواً لهذه المُهمّة الجسيمة وهو يُناهز الثمانين من العمر؟ من صاغ منه مثالاً للقائد الناجح مع اللَّه والناس؟ إنه وحده روح الحكمة والإرشاد.

ويعوزنا الوقت لو تكلمنا عن اليد الماهرة التي صنعت صموئيل وداود وسليمان وإيليا وإشعياء ...، كل هؤلاء لم تكن لهم أي معونة بشرية، بل كانت الظروف المحيطة بهم تكفي لتحطيم حياتهم، لكنهم أعطوا أنفسهم بالكامل لهذا الصانع الماهر ووثقوا في كفاية شخصه، ولقد صاغ من كل منهم جوهرة تلمع على مدى الأيام والعصور، لقد كان ومازال روح الله هو وحده صانع القديسين!!

شركاء الروح القدس!!

لكن لماذا لا نرى اليوم قديسين تلمع حياتهم بنفس هذا المجد؟ هل كفَّ الروح القدس عن صنع القديسين؟ حاشا، السبب للأسف هو أن وسائط المعونة أصبحت اليوم كثيرة وسهلة فلم تعد النفوس تتكل على شخص الروح وحده!! صار للروح القدس شركاء في قيادة حياتنا!! لم نعد نثق في كفاية شخصه لقيادة حياتنا بالكامل، أصبح المؤمنون اليوم يستقون تعليمهم من القادة دون الرجوع لروح اللَّه ويلجأون للناس طلباً للمعونة ولا ينتظرون معونة الله، لم تعد الكنيسة تتكل اليوم على شخص الروح كما كانت تتكل عليه في عصرها الأول، أصبحنا نختار الطرق البشرية السهلة للتعليم والتعزية ونتجنب طريق الاتكال على روح اللَّه وحده، وضعنا آخرين في مكان القيادة ونسينا أن الروح لا يقبل أن يكون له شريك في قيادة حياتنا، وكانت النتيجة هي هذا الفقر والجوع والتخبط الذي نعيش فيه!!

عفوا يا روح اللَّه!!

إذا كان هناك هدف من وراء كتابة هذا الكتاب فهو أن نعود بانكسار إلى شخص الروح ونقدم له اعتذارنا لأننا لم نعطه المكان اللائق به في حياتنا، ونبدأ ندرك أن شخصه المبارك فيه كل الكفاية لحياتنا، لن يعوزنا شيء إذا اتكلنا عليه بالكامل وانتظرنا عمله في حياتنا. دعونا ننزع أي آخر من مركز القيادة في حياتنا ونتوِّج روح اللَّه وحده قائداً للحياة، إنه «سبعة أرواح اللَّه» أي أنه وحده القادر أن يعمل إرادة اللَّه في حياتنا بشكل كامل لا ينقصه شيء، له المجد في الكنيسة إلى الأبد، آمين .