الاثنين، 6 ديسمبر 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (58)

بقلم : فخرى كرم

«لأن كل من يسأل يأخذ..» (مت7: 8-11)

بعدما حدثنا ربنا عن الصلاة ومستوياتها الثلاث ها هو يشجعنا أن نصلي دائماً وبلا كلل، ولذلك نجده يقدم لنا وعداً مؤكداً أن كل مَن يسأل يأخذ ومَن يطلب يجد ومَن يقرع يُفتح له، لا يمكن أن تضيع صلاتنا أو تذهب أدراج الريح، إننا لا نضارب الهواء بل نتعامل مع إله عظيم يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر، إن كل وقت نقضيه في الصلاة أمام إلهنا لابد أن تكون له نتائجه الرائعة.

إيماننا بهذا الوعد ضروري جداً لحياتنا، فالكتاب يعلمنا أن الذي يأتي إلى الله لابد أن يثق أنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه، بل يعلمنا أن كل عملٍ عظيم حدث في تاريخ شعب الله كان وراءه إيمان عظيم تمسَّك بالله العظيم ولم يتركه حتى تدخل في مسار الأحداث صانعاً خيراً واعلاناً عن شخصه (عبرانيين 11). وعلى العكس تماماً تعلمنا كلمة الله أن المرتاب الذي يشك في حصوله على احتياجه من خلال الصلاة لن ينال شيئاً من عند الرب (يع1: 5) فالشك في فاعلية الصلاة هو في الحقيقة شك في وجود الله وصلاحه، وهذا الشك يهين الله ويحزن روحه ويعطل وصول البركة إلينا!!

الرب يؤكد لنا أن صلاتنا لابد لها من إجابة لأنه يعلم أن طبيعتنا التي جُبلنا عليها هي طبيعة نفعية، طبيعتنا لا تُقدم على فعل أمر إلا إذا تأكدت من المنفعة التي ستعود علينا من وراء هذا الفعل، الإنسان لا يمكنه أن يبذل الوقت والمجهود في طريق لا يثق في فائدته ونفعه، وهذا يفسر لنا سبب ضعف حياة الصلاة في أوساط المؤمنين وقلة الوقت الذي يُصرف في الشركة مع الله، فالحقيقة المحزنة هي أننا لم نعد نؤمن جدياً في فاعلية الصلاة، لقد انصرف المؤمنين إلى وسائل أخرى للحصول على ما يريدون وتطلعوا إلى مصادر أخرى لتسديد احتياجاتهم!!

ووعد الرب بالإجابة ليس مجرد محفِّز لا يستند على أساس بل هو يستند على أساس راسخ لا يهتز أبداً، وهذا الأساس هو أبوة الله الصالحة، لذلك يتابع الرب كلامه ويشير إلى موقف سامعيه من أولادهم، كيف أن الأب الأرضي بالطبيعة لا يمكنه أن يجاوب سؤال ابنه للخبز بحجر التجاهل والاحتقار، ولا يمكنه أن يتعامل مع طلب ابنه لسمكة بخبث وسم الحية، فالأب الأرضي مهما كان شريراً إلا أن طبيعته تدفعه أن يعطي عطايا جيدة لأبنائه، فكم بالحري الآب السماوي كلي الصلاح يهب خيرات للذين يسألونه، إن أبانا السماوي لا يمكنه أن يغلق أحشاءه تجاه واحد من أولاده يسأل احتياجه بثقة وإيمان!!

لكن لابد أن نلاحظ هنا أن ربنا لا يؤكد أننا بالضرورة سنأخذ نفس الأشياء التي نسألها لكنه يؤكد أن أبانا السماوي سيمنحنا «خيرات» بحسب أبوته الصالحة، فكثيراً ما يطلب الأبناء أشياءً ليست لخيرهم بل أحياناً تكون لضررهم وضرر المحيطين بهم، فنحن كثيراً ما نخطئ في تمييز احتياجاتنا الحقيقية ونلح في طلب أمور لا يرى الله أنها احتياجنا الحقيقي، فلا ننتظر من الآب الصالح أن يعطينا نفس الأشياء الضارة التي نطلبها لكنه بالتأكيد سيعطينا «الخيرات» التي نحتاج إليها فعلاً!! فإذا كان الأب الشرير لا يمكنه أن يعطي حجراً لابنه الذي يسأله خبزاً فالآب السماوي إذا سأله ابنه بجهلٍ حجراً ليأكله فسيعطيه خبزاً!! فأبونا يعلم ما نحتاج إليه أكثر مما نعرف نحن، ومشاعره تجاهنا أكثر صلاحاً من مشاعرنا تجاه أنفسنا!! ليتنا نثق في أبينا الصالح ولا نكف أبداً عن الصلاة في كل وقت ولأجل كل شيء!! وللحديث بقية (يتبع) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق