الاثنين، 17 يوليو 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (43)

بقلم : فخرى كرم

بعد ما تكلمنا عن روح الوداعة في صورة الحمامة، وروح القداسة والقضاء في صورة النار، وروح الارتواء في صورة المياه، وروح العمل الخفي في صورة الريح، نبدأ اليوم حديثنا عن صورة رمزية خامسة لروح الله ألا وهي:

الزيت

منذ فجر التاريخ المقدس وجدنا رجال الله يستخدمون الزيت للتعبير عن تكريس الأشياء وتقديسها لخدمة الله، حتى قبل مجيء الشريعة بطقوسها المحددة كان صب الزيت على الأشياء أو الأشخاص يشير لتكريسها للرب.

عندما قام يعقوب ليذهب إلى حاران ولاقاه الرب في البرية برؤيا السلم المنصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، قام يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودا وصب زيتاً على رأس هذا العمود ودعا اسم ذلك المكان « بيت إيل»، كان هذا المكان من قبل بقعة جرداء لكن عندما نزل الله ليتكلم مع يعقوب في هذا المكان أصبح بيتا لله وباباً للسماء، تماما مثل الحجر الصلب الجاف عندما يصب فوقه الزيت الناعم المنعش (تك 28 : 18 ).

 وعندما أتم الله وعوده وعاد يعقوب سالماً مباركاً إلى بيت إيل وتكلم الله معه مرة أخرى هناك، عاد فنصب عموداً من حجر وسكب عليه زيتاً، ودعا اسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل (تك 14:35 ). إن حياتنا مثل البرية الجرداء لكن عندما يختار الله أن يقترب منا ويتكلم معنا تصير حياتنا بيتاً لله وباباً للسماء!! عندئذ يصب الزيت المنعش على القلب الحجري الجاف ويتحول إلى مذبح لعبادة رب الجنود !!

دهن المسحة

بعدما جاء الناموس صارت هذه الممارسة التلقائية التي قام بها يعقوب إحدى طقوس العبادة الرئيسية، حيث طلب الله من موسى أن يصنع دهن المسحة المقدس من قاعدة رئيسية هي زيت الزيتون مضافا إليه أفضل و أزکی العطور والأطياب بنسب محددة وثابتة (خر 30 : 22 ـ 24 ) وكان يمسح المسكن وكل ما فيه بدهن المسحة المقدس لكي يتقدس للرب، وكذلك المذبح وجميع آنيته والمرحضة وقاعدتها (لا 8 : 10 ، 11 ) ويصب منه على رأس هارون ورؤوس بنيه لتقديسهم للخدمة (لا ۱۲:۸) كما كان يستخدم لمسح الملوك (اصم 10 : 1 ، 16 : 1 ) ومسح الأنبياء (۱مل 19 : 16 ) وكانت هذه المسحة تشير إلى أنهم صاروا مكرسين لخدمة الرب فقط، لم يعد مسموحاً لهم أن يعيشوا حياتهم كما يريدون بل كما يريد الله، «والكاهن الأعظم الذي صب على رأسه دهن المسحة لا يكشف رأسه ولا يشق ثيابه ولا يأتي إلى نفس ميتة ولا يتنجس لأبيه أو أمه ولا يخرج من المقدس... لأن إكليل دهن مسحة إلهه عليه» (لا 21 : 1 ـ 12 ).

كان شاول ابن قيس يسعى في آثر أتن أبيه الضالة لكن عندما التقاه صموئيل وأخذ قنينة الدهن وصب على رأسه أصبح شاول رجلا آخر، لقد مسحه الرب على ميراثه رئيسا وأعطاه قلبة يصلح لهذه المهمة ( 1صم 10 : 1 ، 9 ) . كانت هذه المسحة تشير إلى أن الله يدعو شخصاً ما لعمل ما، والذي يدعو إلى العمل يعطي الإمكانية والكفاية للقيام به! !

روح المسحة

عندما نأتي إلى العهد الجديد نفهم أن دهن المسحة كان رمزا لأحد أعمال الروح القدس ألا وهو عمل التكريس والتقديس، والروح هو الذي ينسكب على حياتنا الجرداء فيصيرها قدساً للرب وموطئاً لقدميه، فالرسول يقول «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم؟» (۱ كو 6 : 19 ) إن سكنى الروح القدس فينا جعلت من حياتنا هيكلا مقدساً لله، لم نعد ملكا لأنفسنا ولا في مقدورنا أن نعيش كما نريد بل كما يريد الله.

والروح الذي يقدسنا و يكرسنا لمجد الله يمنحنا في ذات الوقت الإمكانية والكفاية للقيام بالعمل الذي يدعونا إليه، لذلك يقول الرسول أيضا «ليس أننا كفاة من أنفسنا بل كفايتنا من الله الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد » (۲ كو 3 : 5 ، 6 ) والرسول يوحنا يتكلم عن عمل الروح بداخلنا مشبها إياه بمسحة الدهن في العهد القديم: «وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً » (۱يو 2 : 27 ) ونحن نعلم من كلمات الرب في (يو 14 : 26 ، 15 : 26 ) أن الذي يعلمنا كل شيء وهو الحق هو شخص الروح القدس نفسه، أي أن المسحة التي يتكلم عنها الرسول يوحنا هي شخص الروح، وللحديث بقية

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق