السبت، 22 يوليو 2023

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (44)

بقلم : فخرى كرم

تكلمنا عن الصورة الرمزية للزيت وقلنا إنها تشير إلى أحد أعمال شخص الروح القدس ألا وهو عمل التكريس والتقديس، ففي العهد القديم كان زيت المسحة يستخدم في مسح الأماكن والأشياء والأشخاص إعلان عن تكريسهم لخدمة رب الجنود ، وهذا يقودنا لحقيقة كتابية هامة ألا وهي:

مبدأ التكريس للخدمة

          إن خدمة الله لا تتم إلا بمواد مقدسة ومكرسة للخدمة، فالله لا يقبل أن تمتد أيادي غير طاهرة لتعمل في هيكله، والقلب الذي يحب العالم ويقبل نيره على عنقه لا يمكن أن يأتي ليقدم خدمة مقبولة لرب الجنود ، فلا يمكننا أن نخدم الرب بقلب منقسم أو نكرمه بفضلات أوقاتنا وممتلكاتنا ، لأننا في الواقع لا يمكننا أن نخدم سيدين ، وعلى من يريد أن يخدم الرب أن يكون أولا ملكاً للرب.

ولقد أراد الرب أن يرسخ هذا المبدأ في نفوس الشعب القديم من خلال عدة وصايا ،  فمن بين الأبناء يكون الابن البكر مكرساً للرب، ومن بين غلة الأرض تكون الباكورة للرب، ومن بين البهائم الطاهرة تكون أفضلها ذبيحة للرب، ومن بين الأيام هناك يوما مقدسا للرب، ومن بين السنين تكون السنة السابعة سبتاً للرب، ومن بين الممتلكات يكون العشر ملكاً للرب، ومن بين الأسباط يكون سبط لاوي مخصصاً لخدمة الرب... إلخ.

لم يكن القصد الإلهي من هذه الوصايا هو تلك الأمور المادية بل بالحرى ترسيخ مبدأ التكريس للرب، تأكيد حقيقة أن للرب الأرض وملأها المسكونة والساكنين فيها، أن للرب حقاً في كل ما تمتلكه أيدينا وهو لا ينتظر ما يجود به الإنسان بل من حقه أن يقتطع لنفسه أشياء وأشخاصاً يكرسهم لخدمته، وكان المسح بالزيت المقدس هو العلامة لهذا التكريس وكل ما مسح بالزيت لم يكن ممكناً أن يستخدم في أغراض أخرى بخلاف خدمة رب الجنود ، فكما أن الرب لا يقبل في خدمته من هو غير مكرس له كذلك لا يقبل من تكرس له أن يخدم آلهة أخرى!! لذلك نقرأ أن الرب أمات عزة» لأنه مد يده إلى تابوت العهد وهو ليس مقدساً لخدمة التابوت، كما نقرأ أن الرب ضرب «عزيا » الملك بالبرص لأنه دخل إلى المقادس وهو ليس بكاهن، فالله لا يقبل الخدمة إلا ممن دعاهم هو لخدمته! !

كذلك فمن دعاه الرب لخدمته لا يمكن أن يستخدم لأغراض أخرى، فنقرأ أن المكان الذي اختاره الرب ليضع اسمه فيه مسح بالزيت وتكرس لعبادة رب الجنود ، ولذلك نرى الرب يغضب ويطرد الباعة من الهيكل قائلا «بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص » (مت 21 : 13 ) والأواني التي مسحت لخدمة الهيكل ما كان ممكناً أن تستخدم لغرض آخر، لذلك أعتبرت إهانة بالغة أن يشرب بيلشاصر الملك ورفقاؤه في أواني الهيكل خمرة وهم يسبحون آلهة أخرى، وكان لابد عندئذ أن تتدخل اليد الإلهية لتكتب قصاصاً قاسياً رداً على هذه الإهانة (دا 5 : 1 ـ 4 ) . وكذلك الأشخاص الذين يتكرسون لخدمة الرب كان الدم يوضع على آذانهم اليمنى وإبهام أيديهم اليمنى وأرجلهم اليمنى إشارة إلى موتهم عن العالم وتكريسهم فيما بعد لخدمة رب الجنود وحده .

لكن لابد هنا أن نؤكد أن كل هذه المعاني لم تصل أبدا إلى كمالها في ظل العهد القديم، لأنها كانت تتم بشكل طقسي ورمزي و مجازي لم يرتق أبدأً إلى الحقيقة التي يريدها رب الجنود ، إلى أن جاء في ملء الزمان من سمي بحق:

«المسيح» !!

 أحد أسماء ربنا هو «المسيح» فهو ليس «مسيح» الرب مثل كثيرين في العهد القديم بل هو «المسيح» الوحيد الذي قبل مسحة كاملة من الله، لقد عاش حياة التكريس الحقيقية بكل عمقها مما أشبع قلب الأب وأرضاه، حتى قيل عنه بروح النبوة «أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك» (مز 45 : 7 ) وقيل أيضا « يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه» (أع 10 : 38 ) .

لقد نسج المسيح بروح المسحة وهو بعد في بطن أمه، ونراه وهو صبي يعيش فيما لأبيه، لم تكن له حياته الخاصة بل كل سروره كان في عمل مشيئة أبيه، لم يخدم ذاته قط بل قدسها لكي يصنع شعباً مقدساً لله، إن كل المسحات الرمزية التي تمت في العهد القديم وجدت كمالها وتمامها في يسوع المسيح» (يتبع).

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق