الخميس، 13 يونيو 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (71)

بقلم: فخري كرم

تكلمنا كثيراً عن الصورة السابعة والأخيرة من الصور الرمزية التي ذكرها الكتاب المقدس في آخر أسفاره عن شخص الروح القدس المبارك، ألا وهي صورة العين الثاقبة والمصباح المنير، فقلنا إنه ينير لنا مواضع العثرة في طريقنا لكي يجنّبنا مخاطر السقوط، سواء كانت العثرة تأتي من أنفسنا أو من الآخرين أو من الشيطان نفسه، كما أنه ينير لنا أعماق إلهنا ومشيئته حتى نفهمها ونتممها في حياتنا، وأيضا عرفنا أنه المنير والفاحص لأعماق كل إنسان في كل الأرض ولا يخفى عنه شيء، وأخيراً قلنا إنه ينير لنا معاملات الله معنا حتى نفهمها ونتجاوب معها، فالكثير من أعمال الله في حياتنا تبقى غير مفهومة ولا ملحوظة حتى يُسلّط روح الله نوره عليها ويفسّرها لنا، حينئذ فقط نخرُّ على وجوهنا وتخرج منا كلمات الشكر والتسبيح، وقلنا في هذا الصدد أنه ينير لنا معاملات الله أولا في الماضي، تلك الأحداث التي مرّت بنا دون أن نلاحظ فيها يد الله ونفهم قصده، واليوم نختتم حديثنا عن روح العين والمصباح بالقول إنه ثانيا ينير لنا معاملات الله في ما يلي:

(۲) في المستقبل!!

روح الله هو وحده الذي يعرف المستقبل ومن البدء يخبر بالآتيات (إش 42: 9) لأنه وحده يفحص أعماق الله ويعرف فكره ومشيئته تجاه المستقبل، وهو يلجأ كثيراً لإعلان هذه الأمور المستقبلة للمؤمنين لكي يتهيأوا لها ويشاركوا في تتميمها، والمؤمنون يستقبلون هذه الإعلانات من خلال موهبة النبوة، تلك الموهبة التي يعطيها الروح لشعب الرب حتى يستطيعوا إدراك فكر الله من جهة حياتهم في الحاضر أو المستقبل.

في العهد القديم

          كانت النبوة ركنا أساسياً في تكوين الشعب القديم، ولم يكن الشعب يستطيع الاستغناء عن الأنبياء العظام الذين كان الرب يقيمهم لينطقوا بفكره، كانت كلمات النبوة تنير للشعب واقعهم ومستقبلهم، وكثيراً ما أعلن الرب من خلال الأنبياء أحداث مستقبلة في حياة الشعب والشعوب المحيطة بهم، بل قلما تجد حدثاً في تاريخ الشعب لم يكن الرب قد أنبأ به من قبل على فم الأنبياء، وأكثر حدث تكلمت عنه النبوات كان مجيء المسيا المنتظر، حتى أننا نصاب بالذهول من كثرة ودقة التفاصيل التي ذكرها الأنبياء عن شخص المسيح الآتي!!

 

وفي العهد الجديد

قال رب المجد لتلاميذه عن روح الحق: « يُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ » (يو16 : 13)  ولقد أقام في الكنيسة «أنبياء» في المرتبة التالية بعد الرسل مباشرة (1كو 12 : 28 ، أف 4 : 11) ولقد أعطى الرسول بولس مكانة خاصة لموهبة النبوة في الكنيسة بل أمر المؤمنين أن يجدُّوا للتنبؤ (۱ كو 14 : 1 ، 39) مما يؤكد أن الروح يريد أن يخبر الكنيسة بأمور آتية من خلال أنبياء كما كان يفعل مع الشعب القديم، فالروح لم يتغير ومازال الله كما كان دائما يحب أن يخبر عبيده بكل شيء «إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ» (عا ۷:۳) بل إنه يحثهم على طلب هذا « هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ... اِسْأَلُونِي عَنِ الآتِيَاتِ! مِنْ جِهَةِ بَنِيَّ وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ يَدِي أَوْصُونِي» (إش 45: 11).

وفي الكنيسة الأولى نرى الروح يستخدم الأنبياء بكثرة للإخبار عن أمور آتيـة (أع 11: 27، 28، 21 : 9 -11) بل إنه أوحى بسفر نبوي كامل عن الأحداث الآتية على العالم وهو سفر الرؤيا .

الهدف من النبوة

 أول هدف هو شركة المحبة!! محبة الرب لعبيده تجعله يخبرهم بما يزمع فعله حتى تكون لهم شركة معه (تك 18: 17، يو 15: 15) والهدف الثاني هو لكي يكون لشعب الرب رؤية مستقبلية تمكنه من تحديد أولوياته وأهدافه التي تتفق مع ما يريده الرب، وبالتالي يصبح شعب الرب أداة فعَّالة في تتميم مشيئة الله في العالم.

إذاً ليس الهدف من النبوة هو إشباع فضول الإنسان لمعرفة المستقبل!! فالإنسان يشتهي دائماً أن يعرف ما تخبئه الأيام، ولذلك يلجأ للسحرة والعرافين والمنجّمين لعله يجد عندهم ما ينير ظلام أيامه، لكننا نعلم أن إلهنا وحده يعلم الآتيات لأنه هو صانعها، وهو يعلن لنا بعضها إذا رأي لذلك ضرورة وفائدة، لكنه لا يهتم أن يشبع فضولنا من جهة كل تفاصيل المستقبل ولا يريدنا أن نهتم نحن بتفاصيل قد جعلها في علمه وســـلطانه (مت 6: 25، أع 1: 7)

.. أين النبوة الآن؟!

يبدو يا للأسف أننا أهملنا هذا الجانب من عمل الروح في كنائسنا المعاصرة، أطفأنا موهبة النبوة ولم نعطها الاهتمام اللائق، وخرج علينا البعض بالقول إن هذه الموهبة قد انتهت منذ عصر الرسل والبعض الآخر أوهمنا أن النبوة هي نفسها الوعظ والتعليم!! ونتيجة لهذه الأفكار الخاطئة أهملنا النبوة في كنائسنا وكنيسة بلا نبوة هي كنيسة بلا رؤية مستقبلية، وبدون رؤية يجمع الشعب (أم ۱۸:۲۹) لذلك ليس غريبا أن نرى كم التنافر والتعارض في المسارات التي تسير فيها الكنائس المختلفة. هناك تخبط وعشوائية في كنائس وجمود وروتينية في كنائس أخرى، والسبب هو غياب الرؤية التي تعرف مشيئة الرب لبلادنا وكنائسنا في أيامنا القادمة. لو كانت لنا استنارة الروح من جهة المستقبل لصارت لنا وحدة الهدف، حتى لو تعددت المسارات!! ولصارت الفروق بين الكنائس مادة إثراء وليس إضعافا لها.

ليتنا إذاً نعود نهتم بهذا الجانب العملي من عمل الروح القدس في الكنيسة، دعونا نجدّ للتنبؤ، نسأل الله عن الآتيات، نطلب من الروح أن يرسم مساراً لأيامنا القادمة ويضع أمامنا هدفاً لحياتنا وغرضاً نسعى إليه، دعونا نوصى الرب من جهة بنيه وعمل يديه، وللحديث بقية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق