سبعة أرواح الله (70 )
بقلم: فخري كرم
قلنا إن روح المصباح المبارك ينير
لنا مواضع العثرة في طريقنا لكيلا نعثر، وينير لنا أعماق إلهنا لكي ندخل في شركة
معه، ويفحص أعماق كل إنسان في كل الأرض ولا يخفى عنه شيء، وأخيرا نقول إنه ينير
لنا:
معاملات الله في حياتنا
الله له مشيئة في حياتنا وهو
ينسجها طوال الوقت داخل تفاصيل حياتنا سواء شعرنا بهذا أم لا، هناك خيط ذهبي منسوج
بمهارة في وسط خيوط حياتنا المتشابكة، خيط يمتد من بداية أيامنا وحتى نهايتها. إن
أمور حياتنا وتفاصيلها الدقيقة وأحداثها التي قد تبدو لنا عشوائية في أحيان كثيرة
إنما هي خاضعة لقصد سام وترتيب إلهي دقيق، لكننا للأسف كثيرا ما نخطئ في فهم هذه
المعاملات الإلهية بل قد لا نراها أو نلاحظها أبدا!! الذهن البشري المحدود لا
يستطيع بمفرده أن يميز هذه المعاملات، عيوننا الإنسانية القاصرة لا تستطيع أن ترى
هذا الخيط الذهبي الممتد بطول حياتنا، فقط عندما يسلط روح المصباح المبارك نوره
على حياتنا نستطيع أن نرى هذه المعاملات:
(1)
في
الماضي
عندما يسلط روح الرب نوره على
أحداث حياتنا الماضية نبدأ نرى فيها ما لم نكن نراه من قبل، نبدأ نلاحظ السيناريو
الإلهي المبارك الذي صاغ تفاصيل حياتنا الماضية، نبدأ ننبهر بمدى الحكمة والدقة
التي كانت وراء كل حدث في حياتنا، نبدأ نميز محبة الله ورحمته التي حفظتنا من
أخطار كثيرة وفخاخ عديدة لم نكن نراها ولا نقوى على مواجهتها، أشياء كنا نظنها شرا
سنراها خيراً عظيماً، وأحداث كنا نحزن لذكراها ستصير مصدراً للفرح والابتهاج، حقا
ما أبعد الفرق بين رؤيتنا البشرية لحياتنا ورؤيتنا لها في ضوء الروح القدس
واستنارته!!
الله قصد خيراً!!
النظرة البشرية لأحداث حياة يوسف
ترى فيها شرا وظلماً فادحاً، التأمل فيها يثير الحيرة والحزن والألم، ولو رأي يوسف
حياته الماضية بعينيه الإنسانية لسقط في بئر مظلم من مشاعر الألم والرثاء للنفس،
بل والغضب والرغبة في الانتقام!! لكنه كان رجلا يرى الأمور بعيني الله، وفي ضوء
روح الله استطاع أن يرى شيئا مختلفاً عما تراه العين البشرية، رأى أن إخوته قصدوا
شراً لكن خلف الستار كانت هناك يد قديرة تنسج في وسط هذه الأحداث خيراً عظيماً.
هذه الرؤية المباركة حفظت سلامه في وسط الأمواج العاتية المتقلبة، وحفظته فوق
مشاعر الحقد والانتقام وجعلته يستطيع الغفران لإخوته ويقول لهم قوله المأثور «أنتم
قصدتم لي شراً، أما الله فقصد به خيراً!! أي قصد تراه في حياتك الماضية؟ قصد الناس
تستطيع أن تراه وتفهمه بعينيك البشرية أما قصد الله فلا تستطيع أن تراه إلا وأنت
خاضع لاستنارة روح الله المبارك!!
أنت هو الرجل!!
نظر داود لأحداث قضية أوريا الحثي
بنظرة إنسانية فلم يجد ما يدعو للانزعاج!! بل لعله رأي ما يبرر أفعاله أو على
الأقل يلتمس له العذر فيها، فلم يستطع أن يقدم توبة حقيقية لمدة طويلة!! نظرته
للأمور لم تدفعه للانكسار، بل لمحاولة التستر والإنكار. إنها النظرة البشرية
الأنانية النجسة والنظرة التي لا تستطيع أن ترى إلا مصلحتها وتقيس كل الأمور
بمقياس الذات الرديئة!! ولو ظل طوال عمره خاضعاً لهذه النظرة ما استطاع أن ينكسر
أبدا، فنظرتنا الذاتية للأمور لا يمكن أن تدفعنا للانكسار أمام الرب!!
كان داود في حاجة لأن يرى الأحداث
الماضية في حياته في نور الروح القدس وكان يحتاج أن يراها كما يراها الله. كان
محتاجاً أن يخضع لنور المصباح الإلهي المبارك، وهذا كل ما فعله رجل الله ناثان،
كان ناثان رجلا يرى الأحداث كما يراها الله، ولقد استطاع بحكمة وقيادة الروح أن
يقود داود ليرى الأمور بعيني الله فحكى له السيناريو الحقيقي للأحداث كما يراها
الله وليس كما يراها داود، وما أعظم الفرق!! في نور الروح استطاع داود أن يرى
بشاعة فعله حتى أنه أصدر حكماً بالموت على نفسه دون أن يدري!! إلى هذا الحد كانت
النظرة البشرية قد خدرت ضميره حتى أنه لم يلحظ من البداية أن ناثان يتكلم عنه شخصياً!!
لكن عندما سلط النبي نور المصباح في وجهه قائلا «أنت هو الرجل» بدأ يبصر الحقيقة
ويراها لأول مرة!! وهذه الرؤية الإلهية قادته للانكسار والاعتراف والتوبة. إن
رؤيتنا لأخطائنا في نور الروح القدس هي وحدها القادرة أن تدفعنا للتوبة والانكسار
أمام الرب!!
من بطن أمي!!
كان بولس يعتقد أن حياته سارت بشكل طبيعي مثل كل البشر وكان
يظن أنه هو الذي اختار لنفسه طريقه وصنع بإرادته خطواته، حتى جاء يوم مبارك تواجه
فيه مع نور الرب الساطع فسقط تحت سلطان هذا النور، وقام وقد أدرك أنه لم يكن يرى
أي شيء بشكل صحيح وفهم أن عينيه مغطاة بالقشور وأنه يحتاج أن ينير الرب عينيه لكي
يبصر الأشياء بشكل صحيح، وعندما سقطت القشور استطاع أن يرى كل أحداث حياته الماضية
كان يحكمها قصد سماوي مبارك واكتشف لدهشته أن مشيئة إلهية كانت تقود خطواته من خلف
الستار، ليس من وقت لقائه بالرب على أبواب دمشق بل من بطن أمه (غل 1 : 15)!! وهذه
الرؤية المباركة دفعته لأن يكرس كل حياته لتتميم هذا القصد الرائع والمشيئة
الصالحة، الرؤية الحقيقية وحدها تصنع تكريساً حقيقياً!! وللحديث بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق