الاثنين، 8 أبريل 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (67)

بقلم : فخري كرم

قلنا إننا نحتاج إلى روح المصباح المبارك لكى ينير الطريق أمامنا لكي لا نعثر ، سواء جاءت العثرة من داخلنا أو من الآخرين أو من إبليس ، فالمؤمن لا يستطيع أن يسير خطوة واحدة في متاهات هذه الحياة بدون أن يكون له نور الحياة ، واليوم نضيف أننا نحتاج إلى روح المصباح لأجل هدف آخر ألا وهو :

معرفة الله وأموره ( أف ا: ۱۷- 23)

الروح لا ينير لنا فقط طريقنا أثناء سيرنا في هذه الأرض لكنه يسمو بنا لينير لنا طريقنا أثناء شركتنا مع إلهنا في السماويات ، لقد صلى الرسول بولس من أجل المؤمنين في أفسس لكي يعطيهم الله روح الحكمة والإعلان في معرفته حتى تستنير عيون أذهانهم ليعلموا أمور الله العظمى والثمينة الموهوبة لهم ، أي أننا لا نستطيع أن نعرف الله نفسه أو أموره إلا بمعونة روح « الحكمة و الإعلان» الذي هو روح المصباح الذي نتحدث عنه، إنه « ينير » عيون أذهاننا فنرى إلهنا ونعرف مشيئته نحونا وعطاياه الممنوحة لنا في شخص المسيح .

الكثير من المؤمنين تظل شركتهم مع الله مقيدة في حدود لا تتخطاها ، ورغم مرور السنين تظل علاقتهم بالرب أسيرة المفاهيم الأولى و المعرفة البدائية التي ابتدأوا بها حياتهم الروحية ، إن معرفتهم لإلههم لا تتعدى معرفة الطفل الصغير لأبيه ، معرفة ساذجة محدودة بالمصالح والاحتياجات ولا ترتقي أبدأ لتواصل حقيقي وشركة عميقة وعطاء متبادل ، حياتهم تظل فقيرة وجافة لأن البركات الأولى لم تعد تكفيهم وعيونهم مغلقة عن البركات العميقة التي ينبغي السعى لامتلاكها ، والسبب هو عدم إعطاء روح الحكمة والإعلان الفرصة لكى ينير عيون أذهانهم ويفتح الآفاق الروحية الرحيبة أمامهم .

الله لم يره أحد قط

معرفة الله لم تكن متاحة للإنسان قديماً ، فبعد السقوط فقد الإنسان فرصة التقدم في معرفة الله ، وصارت الخطية فاصلة بيننا وبين إلهنا حتى لا نراه ولا نعرفه ، الفساد الذي أصاب طبيعتنا خلق فجوة لا يمكن عبورها بيننا وبين الطبيعة الإلهية ، وظل الحال هكذا حتى جاء الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب وخبر ، لم يكن الخبر بالكلام فقط لكن أيضا بالتجسد !! لقد «ظهر» الله في الجسد ، أعلن لنا ذاته في شخص المسيح ، وهذا الإعلان لم يكن ممكناً إلا لأن الرب قدم نفسه ذبيحة لكي يرفع الخطيه الفاصله بيننا و بين إلهنا ، لو لم تنل العداله الإلهية حقها ما كان ممكنا أن يعلن الله ذاته لنا .

دور روح الإعلان

لقد أعلن الرب يسوع المسيح إعلاناً كاملاً عن الله في قلب التاريخ البشري ، عندما جاء له المجد في ملء الزمان وجال بين الناس كان يحمل في داخله صورة الله غير المنظور ورسم جوهره ، لكن هذا لا يكفي وحده لكي نعرف نحن الله !! لكي ينتقل هذا الإعلان إلى أعماقنا و تنفتح عيوننا فتراه وتعرفه نحن نحتاج إلى روح «الحكمة والإعلان»!! روح الله يهيئ للإعلان مكانا بداخلنا ثم ينقل هذا الإعلان ليصبح حقيقة في أعماقنا ، يطهرنا من أفكارنا القديمة ثم يزرع أفكار الله ، يغسلنا من رؤيتنا القديمة لله ثم يعطينا الرؤية السليمة لجلاله ، ينتزع من ثنايا مشاعرنا الأحاسيس الجسدية التي تقيس كل شيء بمقياس الجسد ويغرس مشاعر مقدسة تعرف كيف تقيس الأشياء بمقياس الله .

لا معرفة حقيقية بدون إعلان

أي أنه لا يكفي أن نعرف أقوال الرب يسوع أو ندرس حياته لكي نعرف الله ، المعرفة الذهنية لأقوال وحياة الرب لا تغرس معرفة روحية في الأعماق ولا تغير الحياة ، الإعلان الذي أتى به الرب لم يكن فكرة جديدة عن الله حتى نستقبله بأذهاننا بل كان «روحاً وحياة»، لذلك لا نستطيع استقباله إلا بالروح القدس. كثيرون في أيامنا لديهم معرفة ذهنية كبيرة لأقوال الكتاب لكن حياتهم منطفئة وشركتهم مع الله منعدمة ، أقوالهم رائعة لكن سلوكهم معيب !! وهؤلاء يسببون العثرة للبسطاء الذين تخدعهم الكلمات وتؤثر فيهم المظاهر، لكن المؤمن الناضج يعلم أن معرفة الكلمات شيء وقبول الإعلان شيء آخر ، إننا لا نستطيع أن نستغني عن عمل روح الإعلان لكي يحول حياة الرب وكلماته التي قالها منذ ألفي عام إلى قوة تسري في أعماقنا واستنارة تضيء أعيننا و حياة تفيض في كياننا وعمق جديد في معرفتنا لله وشركتنا معه ، حتى التلاميذ الذين اقتربوا من الرب بالجسد وعاشوا معه وسمعوا الكلام من فمه مباشرة لم يتحول هذا الكلام إلى إعلان حى في حياتهم إلا بعد حلول روح الإعلان في داخلهم يوم الخمسين ، فتحول خوفهم إلى قوة وحزنهم إلى فرح وانطفاء شهادتهم إلى لمعان ، وللحديث بقية .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق