السبت، 13 أبريل 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (68)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن الله لم يره أحد قط ولا نستطيع أن نعرفه إلا بمعونة «روح الحكمة والإعلان» (أف ۱۸:۱) روح العين والمصباح المبارك الذي يعلن لنا أمور الله وطبيعته حتى نستطيع التعامل مع إلهنا والدخول في شركة حقيقية معه، ولقد استخدم الرب نفس كلمة « إعلان » بخصوص معرفة الله عندما قال «لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له» (مت 11 : 27) لكن دعونا نتساءل:

ما معنى الإعلان ؟

          الإعلان هو المعرفة التي تأتي إلينا من مصدر أعلى منا وليس نتيجة قدرة في أذهاننا، أحيانا يأتي كلمعان البرق المفاجيء يبرق في أذهاننا علي غير توقع أو انتظار، وأحيانا أخرى يكون تدريجيا كأشعة الفجر التي تشرق وتزداد وتتسلل برفق إلى داخلنا مصحوبة بفهم عميق ومريح للنفس، لكنه في كل الأحوال استنارة تضيء أعماقنا فنرى أموراً ما كنا نستطيع أن نراها بأنفسنا، استنارة ذات سلطان على حياتنا تغير سلوكنا ومنهجنا في الحياة، استنارة تعطى لعلاقتنا بالله بعداً جديداً وعميقاً، وفي كل الأحوال يدرك الإنسان أن لا يد له في هذا الإعلان المبارك، وأنه لو بذل أقصى مجهود في ذهنه ما استطاع أن يفهم هذا الفهم، إنه نعمة خالصة وهبة إلهية ثمينة!!

لماذا الإعلان ؟

إننا نحتاج لروح الحكمة والإعلان في معرفة الله لأن ذهننا البشري المحدود لا يمكنه أن يدرك الله أو يفهم أموره بشكل كامل من تلقاء نفسه، الذهن البشري المخلوق قادر على فهم أمور الخليقة التي على نفس مستواه أو أقل منه، وبما أن الإنسان هو تاج خليفة الله و أرقى مخلوق على هذه الأرض لذلك فذهنه قادر على فهم أمور هذا العالم المنظور، ولقد استطاع بالفعل أن يدرك الكثير من أمور الخليقة المحيطة به ويسخرها لخدمته، أما أمور الله الخالق فهي أعلى من مستوى الذهن البشري المخلوق ولذلك لا يستطيع فهمها بنفسه، يقول الكتاب: «ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، لأن من عرف فكر الرب أو صار له مشيرة؟» (رو 11 : 33 ، 34) والمرنم أدرك هذه الحقيقة قديماً فأنشد: «عجيبة هذه المعرفة؛ فوقي ارتفعت، لا أستطيعها !! عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا» (مز 139 : 6 ، 14)

حدود المعرفة الذهنية

 المعرفة الذهنية محدودة بأرض الواقع المنظور، فالذهن البشرى يستطيع أن يتأمل في عظمة أعمال الله بعدما تتحقق في هذا العالم المنظور، يستطيع أن يمعن فيها التفكير بعدما تصبح جزءاً من نسيج الواقع الإنساني، يستطيع أن يحفظ كلمات الله التي قيلت قديماً بعدما دونت من خلال عقول وأيدى إنسانية، يستطيع إذا تأمل في روعة الخليقة أن يستنتج عظمة قدرة الله السرمدية ولاهوته (رو1 : 20) وإذا تأمل في أعمال الله في تاريخ الشعوب السابقة يفهم عظمته ويهتف بمجده (مز 66) وإذا جاءه خبر ما فعله الرب بالأشرار قديماً يجزع ويخاف (حب 3 : 2) لكن هذه المعرفة ستبقى معرفة ذهنية ناقصة ومتأخرة:

* ذهنية أي أنها وحدها وبدون عمل روح الإعلان لا تستطيع أن تقود الإنسان إلى معرفة روحية حقيقية بالله، والدليل هو ملايين النفوس التي ترى روعة الخليقة كل يوم ولا تمجد الله، وآلاف النفوس التي تعرف قصص التاريخ المقدس ومع ذلك لا تتوب، وآلاف النفوس التي قرأت المكتوب بصورة خاطئة وابتدعت بدعاً وهرطقات مهلكة!! إننا لا نستطيع أن نعتمد على المعرفة الذهنية فقط في فهم المكتوب بل لابد أن تكون مصحوبة بروح الإعلان الذي ينقل المكتوب بمعناه النقي وسلطانه الإلهي إلى أعماقنا.

* كما أنها ناقصة لأننا لا نستطيع دائما أن نعرف كل صفات الله بمجرد رؤية أعماله، فكم من مرة تكون الأعمال غير معبرة عن حقيقة قصد الله!! فكم من أعمال تبدو قاسية كان الدافع وراءها هو المحبة، مثل الأحداث التي مر بها يوسف وأيوب، فمن يستطيع وهو يراقب ما كان يحدث معهما أن يتوقع الخير؟ لولا أننا نقرأ قصتهما بعد نهايتها وظهور القصد الإلهي المجيد ما كنا قد فهمنا معاملات الله معهما، وهذا ما نقصده بأنها أيضا معرفة:

* متأخرة أي أن الذهن لا يفهم أحكام الله إلا بعد أن تصدر وتنفذ في أرض الواقع وتصبح ماضي يمكننا أن نقرأ عنه ونتأمل فيه ونستخلص منه الدروس، أي بعد فوات أوان التجاوب معها والمشاركة فيها. لو كنا لا نمتلك إلا المعرفة الذهنية فلن يفهم مقاصد الله تجاه جيلنا إلا الجيل الآتي بعدنا !! أي بعدما يصلهم خبر ما حدث معنا فإنهم يفهمون مقاصد الله الصالحة نحونا، لكني أعتقد أن الوقت حينئذ سيكون متأخراً جدا بالنسبة لنا للاستفادة من هذه المعرفة!! روح الإعلان وحده يستطيع أن يعلن لأعماقنا مقاصد إلهنا وهي بعد في طور التنفيذ ولم تظهر بعد للعيان، وحده يستطيع أن يكشف لنا إرادة الله نحونا والفرصة مازالت بعد سانحة للتجاوب معها ، ذلك لأنه وحده

يعرف أعماق الله

الروح القدس وحده هو الذي يفحص كل شيء حتى أعماق الله ( 1كو 2 : 10) لذلك هو وحده يستطيع أن يدخل بنا إلى تلك الأعماق. إذا كنا نريد شركة حقيقية مع الله، إذا كنا نريد أن نفهم مقاصده من نحونا ، إذا كنا نشتاق أن نشاركه في تتميم مشيئته في جيلنا، فدعونا إذا نفسح المجال في أعماقنا لروح الحكمة والإعلان، دعونا لا نكتفي بمعرفة ناقصة في أذهاننا بل نطلب إعلاناً منيراً في أعماقنا يغير حياتنا وينقلها لعمق الشركة الحية مع إلهنا، وللحديث بقية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق